مقالة : اهمية الفلسفة ( ضرورة / قيمة / اهمية ) بجانب العلم .
هل اصبح بالامكان الاستغناء عن الفلسفة في ظل التطور الذي حققه العلم ؟
ما قيمة الفلسفة في عصر العلم؟
ما ضرورة الفلسفة ؟~~~~~~
الفلسفة كلمة معربة من اللاتينية ومعناها حب الحكمة ، وتعتبر من اولى ثمرات الانتاج الفكري الانساني الهادف ، وقد كانت طيلة قرون تعنى بالبحث في كل شيء ، حتى سميت ام العلوم ، ومع انفصال مباحثها عنها تدريجيا واستقلال كل مبحث كعلم قائم بذاته؛ في شكل ما يعرف بالعلم الرصدي ، تزعزعت قيمة الفلسفة واصبحت ضرورتها محل خلاف بين المفكرين ، فطرف يطالب بالتخلي عنها وتركيز جهود البحث على ما هو يقيني ، وطرف اخر متمسك بها ويصر على ضرورتها . ومن هذا المنطلق ظهر اشكال وجب الخوض فيه ، ومضمونه :
هل الفلسفة ضرورية ، و ما قيمتها في ظل تطور العلم ؟
مادام الانسان قد أصبح قادرا على تفسير الظواهر الطبيعية بواسطة قوانين علمية فهو ليس بحاجة إلى التفكير الفلسفي ، و لم تبق للفلسفة ضرورة ولا اقتضاء في ظل ما يحققه العلم ، وهذا راي عدة مفكرين على راسهم غاستون باشلار، كونت وغوبلو .
دعم اصحاب هذا الطرح موقفهم بعدة ادلة وحجج ، اولها ان استقلال العلم عن الفلسفة جردها من الموضوعات التي تبحث فيها ، فكل العلوم التي نعرفها اليوم كانت عبارة عن بحوث جزئية تشملها الفلسفة، وبعد ظهور مناهج تطبيقية في البحث ، وتطور مفهوم العلم ، استقلت تدريجيا وصار لكل بحث اهله من المختصين ، وهذا ما ساهم في تضييق مجال الفلسفة وحصره في قضايا ليست ذات فائدة كبيرة في المجال العملي للانسان ، ويقول بيرس ” ان الفكر هو اولا ودائما واخرا من اجل العمل ” بمعنى ان ما لا يهدف الى نتيجة مفيدة عمليا فهو غير مفيد .
اضافة الى ان الفلسفة بحث لا يصل الى نتائج دقيقة ثابتة ، بل هي مجرد اراء متضاربة، وجدل دائم يقود الى جدل اخر ناتج عنه، فهي عاجزة عن ايجاد الحلول، بل وتزيد من تعقيد المشكلات اكثر مما هي معقدة مسبقا، لذلك قيل ” الفلسفة هي تفسير الواضح بالغامض ” ، و رغم امتداد تاريخها الى قرون طويلة لم تحقق ما حققه العلم في ظرف وجيز جدا، حتى اصبح تحضر اي مجتمع يقاس بمدى تقدم البحث العلمي فيه، وانتشر عقيدة الايمان بالعلم في اوساط الانسانية فصار معيارا للحقيقة .
ثم ان ما تقدمه الفلسفة لا يعدو ان يكون اراء ذاتية تعبر عن مواقف اصحابها التي لا يمكن ان تتوافق ولا ان تحقق الاجماع، فصارت بذلك عبئا على الفكر البشري وحالت انتاجاتها دون تقدمه، بينما اشتغال الإنسان باليقين العلمي ساهم في ارتقائه وسيطرته على الطبيعة بما ينتجه ، فدفعه ذلك الى الاستغناء عن التخمين الفلسفي .
لا يمكن انكار الانجازات التي حققها العلم، و ما صنعه من انتصارات، ولكن هذا الامر لا يغني عن الفلسفة ولا ينقص من قيمتها، فمجالات البحث اوسع من ان نختصرها في المجال الرصدي، والعلم بدوره عاجز عن الخوض فيما تخوض فيه الفلسفة، واذا استغنى الانسان عنها فقد جانبا كبيرا من هويته و اصبح جاهلا به .
مقالة اليقي في العلوم التجريبية
على النقيض مما سبق، يرى العديد من الفلاسفة والمفكرين بضرورة الفلسفة، وحاجة الانسان اليها كانت ولا تزال في ازدياد، اذ يؤيد هذا الموقف كل من برتراند راسل، كارل يسبرس وغيرهم ، فبالرغم من تطور العلم ونجاحه في حل الكثير من القضايا، تبقى الفلسفة ملازمة للانسان مادام فيه عقل تواق الى توسيع افاق المعرفة .
لعل ابرز ادلتهم في ذلك، ظهور فلسفة العلوم، أو ما يسمى بالإبيستمولوجيا، بحيث أصبح العلم في عصرنا هذا موضوعا للخطاب الفلسفي، فالعلم بحد ذاته لا يستطيع انتقاد ذاته ولا الشك في معطياته، مادام ذا طبيعة وثوقية الى حد كبير، فهو يحتاج الخطاب الفلسفي الذي يكشف له عن مكامن ضعفه، ويفتح له افاقا جديدة للبحث، ويساهم في تطويره وتحيين نتائجه مع مستجدات العصر، مثال ذلك ظهور البيوايتيقا، التي تعتبر اليوم من ابرز العلوم التي انتجتها الفلسفة المعاصرة، حتى سميت بعلم الحياة.
اضافة الى ان الخطاب الفلسفي في غالبه يسعى إلى سعادة الإنسان في حين لا يهتم العلم بالروحانيات، فالعلم يصنع المادة فقط ويسعى لامتلاكها وتسخيرها للانسان، ولكن كيفية التعامل معها هي قضية خارجة عن نطاق العلم وتدخل في مجال الفلسفة، اذ انه بقدر ما يمتلك الانسان من مادة يفقد نفسه، ولا بد من ايجاد ما يحفظ له التوازن اللازم بين جانبه الروحاني وجانبه المادي وهذا ما تقوم به الفلسفة.
مما يعني انه مهما تطور الإنسان علميا ، فإنه لا يستطيع التخلي عن التفكير الفلسفي، لأن الكثير من القضايا التي تبحث فيها الفلسفة لا يستطيع العلم الخوض فيها ، وذلك لكونها بعيدة عن مجاله من جهة، ولانها تعجزه من جهة اخرى وتجعله غير ذي قيمة .
ثم ان الفلسفة ليست بحثا جامدا تكراريا، وليست مجرد اجترار لنفس المشكلات بنفس الطرق، بل هي تختلف باختلاف العصور، و تتغير بتغير الأوضاع الثقافية و الحضارية . فالتاريخ يدل على استمرارية الفلسفة ( فلسفة يونانية – مسيحية ، إسلامية ، حديثة ، معاصرة ) ومحايثتها للتطورات في المجال الانساني والطبيعي .
بالاضافة الى كل ما سبق، لا ينبغي ان ننسى او نتجاهل فضل الفلسفة على العلم، ليس فقط في العصور القديمة بل ايضا في عصرنا هذا، فلو نظرنا الى ما وصل اليه العلم في اواخر هذا القرن لوجدنا معظمه نظريات لم يتم التحقق منها تجريبيا، وتعتبر رغم ذلك بمثابة حقائق تدرس في كل الاطوار، مثل نظريات اينشتاين و نظرية الكوانتا في الفيزياء . ناهيك عن مناهج البحث التي يتفق الجميع حول كونها مبحثا فلسفيا بامتياز .
ان فضل الفلسفة على العلم لا ينكره الا جاحد، و قيمتها في توسيع افاق المعرفة عن طريق التساؤل الدائم لا غبار عليها، ولكن هناك مبالغة في تقديسها الى حد القول بانها تحتكر مجال الانسانيات وان العلم عاجز عنه، فالعلوم الانسانية( نفس، تاريخ،اجتماع) اصبحت علوما تقترب بثبات من الدقة الملوبة في اي علم رصدي .
استطاع العلم أن يلبي حاجات الإنسان المادية ، لكنه لا يستطيع تلبية حاجاته الروحية ، لتتبدى في ذلك ضرورة الفلسفة واهميتها ، ذلك بالنظر إلى التعقيدات التي تشهدها حياة الإنسان المعاصر ، و طالما ان الحلول التي قدمها العلم رافقتها مشاكل جديدة مستحدثة، يبقى من اللازم على الانسان تقوية عقله للحكم فيها ، ومن هنا ، وجب عليه أن يتفلسف . فلا نقلل من شان العلم ولا نعتد به ، ولا نقدس الفلسفة ولا نلغي قيمتها بالكلية، بل وجودهما معا اوفى للفكر البشري واكثر نفعا وقيمة من الاكتفاء بالعلم وحده .
نستنتج في الاخير، انه مهما تطور الإنسان علميا، ومهما حقق من انجازات فيه ، فإن ذلك لا يعدو ان يكون محصورا في جانب واحد فقط من طبيعته وهو الجانب المادي، ويبقى بحاجة إلى الفلسفة التي تعنى بجانبه الروحي ولا يمكنه الاستغناء عنها ، فالعلاقة بين الطرفين ليست علاقة عكسية كما يتوهم البعض، بل انها علاقة طردية، فكلما اتسع مجال الفلسفة اتسع مجال العلم والعكس بالعكس، و كلما تطور العلم تطورت الفلسفة والعكس، فهما مجالان فكريان متكاملان، يعبران عن جوهر الانسان من جميع ابعاده المادية والنفسية .
اضغط هنا لمشاهدة مقالة الحتمية
Philobest
شكرا 🌸
بارك الله فيك على التشجيع