مقالة العدالة بالطريقة الجدلية و بالاستقصاء
مقالة العدالة: جدلية
الاسئلة المحتملة :
- هل تقوم العدالة على التفاوت ام المساواة ؟
- على اي اساس تقوم العدالة ؟
- هل التفاوت هو الاساس الامثل لبناء العدالة ؟
- هل يقوم العدل على المساواة ام مراعاة التفاوت والاختلافات ؟
- هل المساواة المطلقة شرط ضروري لتحقيق العدالة ؟
طرح المشكلة ( مقدمة )
الانسان مدني بطبيعته, و لا يستطيع تحقيق كل احتياجاته بمعزل عن المجتمع ، ولهذا خلق الية ينتظم فيها وهي الدولة ، ليسير شؤونه في ظل سلطة القانون ويبني حضارته في كنفها ، و لا تقوم للدولة قائمة ولا تصنع لنفسها مكانة بين الامم الا اذا بنيت على العدل ، الذي يعرف بانه الموازنة بين الحقوق والواجبات .
لكن المشكلة التي ينطوي عليها هذا الامر هي في المبدء الذي يجب الالتزام به في تقسيم الحقوق والواجبات ، والاساس الذي توزع به على الافراد ، فاختلف في هته القضية طرفان ، بين من يرى بان العدالة تقوم على مراعاة الاختلافات والفروقات , و بين من يدعو الى تخفيفها وتذليلها الى حد تحقيق المساواة . ومن هذا الجدل نتساءل :
-هل تتاسس العدالة على التفاوت و مراعاة الاختلافات ام انها تبنى على المساوة المطلقة؟
محاولة حل المشكلة ( العرض )
عرض منطق الاطروحة ( الموقف الاول التفاوت )
يرى عدة فلاسفة ومفكرين بان التفاوت واحترام الفروقات والاختلافات بين الناس ، هو الاساس الامثل في الموازنة بين الحقوق والواجبات وتوزيعها بما يحقق العدل ، ومن ابرز داعمي هذا الموقف نذكر افلاطون ، هيجل و نيتشه .
قدم اصحاب هذه الا عدة ادلة وحجج لتدعيم موقفهم ، اولها ان البشر ليسوا متساوين وان الطبيعة ذاتها جعلتهم مختلفين ، فمنهم القوي والضعيف ، والمبدع والبليد وهكذا ، ويقول افلاطون ” التفاوت قانون الطبيعة ” فنجده يقسم المجتمع الى ثلاث طبقات ( الحكام ، الجنود ، العبيد ) وواجبات العبد الذي تتحكم فيه النفس الشهوانية، والجندي الذي تتحكم فيه النفس الغضبية ، ليست كواجبات الحكيم الذي تتحكم فيه قوة العقل، وكذلك الحقوق ، لان العقل ارقى من الشهوة والغضب واعلى مكانة منهما .
اضغط هنا لمشاهدة مقالة الذاكرة مع المخطط الكامل وملخص لدرس الذاكرة والخيال
وبنظرة معاصرة نشهد في واقعنا ان الحياة تعطي الحقوق والفرص للعقول المفكرة وتكافئهم اكثر من البلداء او الذين لا يعملون الا بايديهم ، فصاحب الفكرة اعلى شانا ممن يطبقها عمليا. والى نفس الفكرة بالتقريب ذهب ارسطو الذي يرى بان الناس ولدوا مختلفين بالطبيعة ، وان منحهم نفس الحقوق والواجبات مخالف للعدل .
اضافة الى هذا ، يؤكد كل من هيجل ونيتشه ان القوي من حقه ان يحكم ويملك ، والضعيف من واجبه الطاعة والاتباع ، وهذه النظرة هي نظرة تفوق الجنس الاري على باقي الاجناس .
اما الراسمالية فهي فلسفة اقتصادية تركز على مبدء الاستحقاق و تفتح الباب امام المنافسة الحرة ، وتقدم الامتيازات على هذا الاساس لمن تراه اكثر انتاجية وتفوقا على غيره ، فالملكية الخاصة ركيزة مهمة في الراسمالية ، لانها مبدأ يتوافق مع طبيعة الانسان الميالة للتملك والانانية ، وهي التي تثمر تعدد الخيارات وغزارة الانتاج وجودته . فلا حق الا لمن يستحق ، لتدور عجلة التطور والابداع .
النقد والمناقشة
فعلا ، ان الطبيعة قد فرقت بين الناس من عدة جوانب ، ولا يمكن انكار التفاوت الحاصل بين الافراد . ولكن هذا لا يجب ان يكون مبررا لتوسيع هوة الفروقات ، فقد ينتج عنه قهر وحشي للطبقة الكادحة في مقابل ترقية طبقة الاغنياء بمنحهم مزيدا من الامتيازات.
هذا الموقف يجعل التفاوت مبدء لعدالة الطبقة العليا التي هي في الغالب اضيق الطبقات في كل المجتمعات والدول ، مما يكرس الاستغلال. كما ان التمييز يؤدي دوما الى الصراعات المخلة بالنظام العام والتي تكون ردة فعل خطيرة نتيجة للظلم .
نقيض الاطروحة ( الموقف الثاني , المساواة )
على النقيض مما سبق ، يرى عدة فلاسفة ومفكرين بان العدالة الحقيقية تبنى على مبدء المساواة ، ومن بين ابرز المؤيدين لهذا الطرح نجد شيشرون ، توماس هوبز ، جون لوك وكارل ماركس .
شاهد ايضا: مقالة الرياضيات جدلية اضافة الى مخطط الدرس
من بين الحجج والادلة التي تؤكد صحة هذا الطرح ، ان الناس متساوون بفطرتهم ، ويجمعهم جوهر الانسانية ، فحتى لو اختلفوا في القوة والذكاء الا ان لهم نفس القدرة على التعلم كما يقول شيشرون . ومن نفس المنطلق يؤكد فلاسفة القانون الطبيعي على ان الناس متساوون لكونهم من نفس بشرية واحدة ، بل انهم متساوون حتى في القوة ، فاذا تفوق احدهم بالقوة الجسدية تفوق اخر بالعقل واخر بالحيلة واخر بالذكاء .
اضافة الى هذا، تقوم نظرية العقد الاجتماعي كلها على فكرة المساواة ، ومضمونها ان الناس كانوا في الحالة ما قبل المدنية متساوين في الحقوق والواجبات ، ولكنهم لخوفهم على ضياع حقوقهم اختاروا رجلا منهم يتنازلون له عن الحكم ويضمن لهم في المقابل حقوقهم بالتساوي ويحفظ ممتلكاتهم ويعاملهم نفس المعاملة جميعا ، وعليهم نفس الواجبات بالتساوي كذلك وهي تتمثل بداية في واجب طاعة الحاكم وعدم منازعته السلطة .
كما ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان قد بدا دستوره بمادة تركز على كون الناس سواسية في الحقوق ، واستقته من الحقوق الطبيعية كما هي.اما الاشتراكية فهي فلسفة تقوم على الملكية الجماعية لوسائل الانتاج ، والتوزيع العادل للفرص ، فتساوي بين الناس في الحقوق والواجبات لتخلق اقتصادا متوازنا لا ينبغي لاحد فيه ان يكون له افضلية على غيره.
النقد و المناقشة
مبدء المساواة الذي تبناه اصحاب الطرح السابق يعتبر مبدء نبيلا ، وحججهم في ذلك صائبة نسبيا ، لكن ما يعاب عليهم انهم اهملوا حقيقة جوهرية وهي ان الاختلاف سنة طبيعية لا يمكن طمسها.
اضافة الى ذلك, ان المساواة المطلقة تصبح تعسفا يقتل روح المبادرة والابداع التي يدفعها حب التملك والتفوق ، ويكرس الجمود والاتكالية وهذا ما اكده تاريخ الاقتصاد الاشتراكي باوضح صورة .
شاهد ايضا: مقالة اللغة و الفكر مفصلة اضافة الى ملخص ومخطط كامل
التركيب
بعد عرضنا للموقفين السابقين ، وعرض انتقادات كل منهما ، يتبين انه لا يمكن اختزال العدالة في التفاوت فقط ، ولا في المساواة المطلقة ، بل يجب الجمع بين المبدءين بحسب المقتضى والظروف والحالات ، وهو ما اكد عليه زكي نجيب محمود حين قسم مجالات العدالة وكيفية تحقيقها ، فمجال الحقوق يحدده القانون وتطبق فيه المساواة ، ومجال الجدارة يعتمد فيه التفاوت ، ومجال الحاجات ويعتمد فيه التفاوت . ولقد حدد الاسلام في تشريعاته اطر هته العملية في نصوص القران والسنة النبوية .
حل المشكلة ( الخاتمة )
اخيرا ، وعلى ضوء ما ذكرناه في معرض مناقشتنا لقضية اساس العدالة ، نستنتج انها تقوم على المزاوجة المثالية بين مبداي التفاوت والمساواة من خلال تحديد مجالاتها ، وتحقيق التكامل بينهما حرصا على ضبط ميزانها بما يضمن الحقوق ويحدد الواجبات بعيدا عن اي ظلم او تعسف من اي نوع .