ملاحظة مهمة : ستجد في هذا الموضوع مخططا كاملا ومختصرا لدرس الاخلاق ، اضافة الى مقالة اساس الاخلاق و مخططا لمقالة الاخلاق بين النسبي و المطلق.
مقالة جدلية : هل مصدر الأخلاق المجتمع أم العقل ؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
يرتبط تحقق جوهر الانسانية واكتمال الحضارة ارتباطا وثيقا بالاخلاق ، وبمدى التزام الافراد بفعل الخير وابتعادهم عن الشر ، فذلك مما يميزنا عن سائر الكائنات ، الا انه لا بد لنا اولا من معرفة الخير لاتباعه ومعرفة الشر لاجتنابه ، مما يحيلنا الى التعمق اكثر للحديث عن سبل تحقيق هته المعرفة؛ و المعيار الذي يجب اعتماده في الموازنة بين الافعال فنحكم عليها من خلاله ، و ليتسنى لنا تصنيفها بصورة سليمة ، وهذا فعلا ما داب على البحث فيه اعلام الفلاسفة منذ القدم ، اذ ان مشكلة اساس الفعل الاخلاقي ليست مستحدثة من زمن قريب ، بل تعود جذورها الى عهد الفلسفة الاول ، و احتكرت لنفسها مبحثا كاملا فيها . فتمايز في قضية اساس الاخلاق فريقان ، طرف يقيمها برايه على العقل ؛ بينما يرى طرف اخر خلاف ذلك ويرجعها الى المجتمع . من هذا حق لنا ان نتساءل : ما هو المعيار الصحيح للحكم على الفعل الاخلاقي ، المجتمع ام العقل ؟
الأخلاق من اساس اجتماعي، وهي حال من أحوال الوجدان الجمعي ، يخضع لها الفرد و يتبناها قسرا، شانها شان مختلف الظواهر الاجتماعية، و ابرز المؤيدين لهذا الطرح دوركايم واوغست كونت . فالأخلاق نابعة من الوسط الذي يعيش فيه الفرد ويتفاعل معه ضمن مختلف الأنماط السلوكية التي يحددها المجتمع .
ومما يبرر هذا الراي، ان الاخلاق ظاهرة اجتماعية، لان الفرد ليس مؤهلا لصنع القيم الخلقية، وانما هي ناشئة من الوجود الاجتماعي، تتكون في شكل عادات وتقاليد يساهم الافراد مجتمعين في صنعها، وهذا ما يؤكد عليه الفيلسوف الفرنسي دوركايم ، اذ ان ما يصح في مجتمع ما لايصح في مجتمع اخر، وما هو واجب عندنا قد يكون اختيارا عند غيرنا، بل وقد يكون ممنوعا، فمفهوم الخير و الشر يتلقاه الانسان من مجتمعه، وابلغ مثال بر الوالدين، الذي هو عند المسلمين يعني التفاني في خدمتهما وتقديمهما على النفس والمال والولد، اما سكان القطب الشمالي المتجمد فيسارعون ويتسابقون الى تقديم ابائهم الى الدببة حتى تفترسهم ضنا منهم ان ذلك يعجل براحتهم من مشاق التقدم في السن، وهذا الاختلاف الذي يبلغ حد التضاد يبين دور المجتمع في التاطير للفعل الاخلاقي، لهذا يقول ليفي برول ” النقطة الرئيسية هي ان الحقيقة الخلقية يجب ان تدرج منذ الان فصاعدا في الطبيعة الاجتماعية للافراد ” معنى ذلك ان الاخلاق لا تدخل في مكونات الطبيعة، انما هي ظاهرة ثقافية شكلتها التجربة الاجتماعية عبر السنين .
اضافة الى ذلك، نجد ان الطفل لا يتعلم من تلقاء ذاته، وانما يتم تلقينه بالتربية والتعليم كل ما يصير بعد ذلك جزء من قناعاته وتصوراته للخير والشر، فالطفل ابن بيئته ومراة مجتمعه العاكسة ، ويقول دوركايم في هذا ” حينما يتكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي يتكلم ” ولهذا تجد المجتمع يقصي كل فرد يشذ عن ما سطره له ويسميه منحرفا ، وكل اسرة تربي ابناءها بما يسهل لهم الاندماج في المجتمع وفق قوانينه التي يحددها ويلرضها على الفرد دون ارادة منه .
إن هذا التصور يعكس مفهوما للضمير الجمعي، ووجهة النظر من هذه الزاوية في الاخلاق صائبة الى حد ما، الا ان الواقع يعكس حقيقة اخرى للاخلاق فليس كل فرد مندمج في المجتمع ، فكيف نفسر تمرد الفرد على مجتمعه ؟ و كيف نفسر حركات الاصلاح التي تنطلق شرارتها من عقل انسان واحد ؟ ثم ان الظاهرة الاجتماعية لا تتفجر كما هي مباشرة، وانما تظهر عند فرد ثم ينشرها ويتبناها غيره لتصير عادة او تقليدا شائعا بعد ذلك، فالمجتمع بحد ذاته يشكله افراد ذوو عقول .