[ فإذن، الناس في الشريعة على ثلاثة أصناف:

صنف ليس هو من أهل التأويل أصلا، و هم الخطابيون الذين هم الجمهور الغالب؛ و ذلك أنهم ليس يوجد أحد سليم العقل، يعرى من هذا النوع من التصديق.

و صنف هو من أهل التأويل اليقيني، و هؤلاء هم البرهانيون بالطبع و الصناعة، أعني صناعة الحكمة؛ و هذا التأويل ليس ينبغي أن يصرح به لأهل الجدل، فضلا عن الجمهور. و متى صرح بشيء من هذه التأويلات لمن هو من غير أهلها، و بخاصة التأويلات البرهانية لبعدها عن المعارف المشتركة، أفضى ذلك بالمصرح له و المصرح إلى الكفر؛ و السبب في ذلك أن مقصوده إبطال الظاهر و إثبات المؤول. فإذا بطل الظاهر عند من هو من أهل الظاهر، و لم يثبت المؤول عنده، أداه ذلك إلى الكفر، إن كان في أصول الشريعة.

فالتأويلات ليس ينبغي أن يصرح بها للجمهور، و لا أن تثبت في كتب الخطابة و الجدلية، أعني بالكتب الأقاويل الموضوعة فيها، من هذين الصنفين، كما صنع ذلك أبو حامد. و لهذا، يجب أن يصرح و يقال – في الظاهر الذي الإشكال في كونه ظاهرا بنفسه للجميع، و كون معرفة تأويله غير ممكن فيهم – أنه متشابه لا يعلمه إلا الله، و أن الوقف يجب ههنا في قوله تعالى: ﴿ و ما يعلم تأويله إلا الله ﴾.

و بمثل هذا، يأتي الجواب أيضا، في السؤال عن الأمور الغامضة التي لا سبيل للجمهور إلى فهمها، مثل قوله تعالى: ﴿ و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و أما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾. ]

تحليل النص :

طرح المشكلة:

كان ابن رشد في النص السابق ( يمكنك الاطلاع على النص السابق من هنا ) قد أكد وجوب التأويل عند أهل البرهان دون غيرهم و حذر غير هؤلاء على الإقدام على ذلك لكن التأويل من طرف أهل البرهان قد يظهر تعارضه مع ظاهر النص، فهل يجب التصريح بهذا التأويل، إذا كان ذلك ممكنا فلمن يجوز التصريح و لماذا؟

محاولة حل المشكلة:

موقف الكاتب:

نهى الكاتب أن يتم التصريح بالأول إلى الجمهور أو أهل الجدل من المتكلمين، أما إذا طلب منهم تفسيرا في القضايا الغامضة و العويصة فإنهم يكتفون بوصف ذلك بأنه من المتشابهات و لا يعلمه إلا الله فلو تلقى الجمهور تأويل أهل البرهان على ما هو ظاهر فقد يقودهم ذلك إلى الكفر و بالتالي يصبح المصرح بالتأويل لا يختلف عن الكافر في كونه دعا إلى الكفر.

و نلاحظ أنه في بداية هذا النص عاد الكاتب إلى التذكير بتلك التصنيفات للناس في الشريعة 

و هم ثلاثة صنف ليسوا من أهل التأويل و هم الخطابيون أو الجمهور الغالب فهؤلاء قد لا يملكون العقل الذي يمكنه من التصديق بالبرهان. و الصنف الثاني و هم أهل التأويل الجدلي و هم الذين ألفوا الجدل بالطبع أو العادة و هم من علماء الكلام و الصنف الثالث و هم من التأويلي اليقيني و هم البرهانيون بالطبع و الصناعة أي الفلاسفة و تأويل هؤلاء يجب أن يكتموه على أهل الجمهور و الجدل فالمعارف البرهانية غير مشتركة بين الناس و قد تقود بعضهم إلى الكفر و أنه كلم يكتفي بالتصريح بوجود متشابه لا يعلمه إلا الله.

حجة الكاتب:

أكد الكاتب ضرورة النهي عن التصريح بالتأويل لغير أهل التأويل من أهل الجمهور أو الجدل، و هذا نظرا لكون التأويل قد يظهر خلافه مع ظاهر الشرع الذي يسلم بصدقه عند الصنف المذكور، بالإيمان و ليس بالبرهان، أن هؤلاء ليس فيهم القدرة العقلية لإدراك المؤول، فيدفعهم ذلك للكفر، و يكون المصرح بالتأويل بالداعي إلى الكفر.

مناقشة الكاتب:

من خلال هذا النص نفهم لماذا تعرض الفلاسفة إلى التكفير من طرف الغزالي أو غيرهم من الفقهاء و ذلك من منطلق أن هؤلاء أخذوا عن الفلاسفة تأويلهم و صرحوا به فظهر ذلك التعارض بين ظاهر الشرح و تأويله، و أن من كفر الفلاسفة كان عليه أن لا يأخذ كلامهم فهو غير موجه لهم و لا يملكون القدرة على إدراكه أو الحكم عليه، هذا دفع إلى الخلط في فهم الشرع و فهم أقوال الفلاسفة، فساء الاعتقاد بهؤلاء.

Similar Posts

One Comment

  1. نصوص الانتاج الفلسفي لم يعد الكثيرون يولون لها الاهتمام الكافي للاسف

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *