على النقيض مما سبق، يرى عدة فلاسفة وعلماء ان نتائج العلم نسبية وغير مطلقة، بل ان جوهر العلم هو الهدم والاصلاح ، وهو قائم على القطيعة الابستيمولوجية ، اذ يؤيد هذا الطرح انصار المدرسة التجريبية امثال دافيد هيوم وغاستون باشلار .ومن ابرز الادلة التي تدعم صحة هذا الراي، القول بعدم مشروعية الاستقراء عقليا، وانه غير مبرر، بل والذهاب الى عمق من هذا والقول بوجود مشكلة منطقية فيه ، وهته القضية فجرها دافيد هيوم والتي سميت فيما بعد فضيحة العلم. فاول ما رفضه هؤلاء هو الاعتراف بان السببية مبدأ عقلي، اذ يصرون على انها مجرد فكرة مكتسبة من التجربة الحسية التي لا تملك ضامنا للمستقبل، وقد اكتسبها العقل من خلال التعود على اطراد الظواهر وتتابعها في المكان والزمان ، فنحن مثلا قد تعودنا على طلوع النهار بعد شروق الشمس، وتعودنا على سقوط المطر بعد ظهور الغيوم والرعد والبرق ، فاعتبرنا ان الظاهرة السابقة سبب للظاهرة اللاحقة، ولكي نتاكد من هذا يمكن ببساطة ان نذكر كم من مرة توفرت الغيوم والرعد والبرق ولم يات بعدها مطر . ومن هذا، نجد ان اعتبار بعض الظواهر سبب لظواهر اخرى مجرد اراء تحتمل الصدق والكذب، وذلك لاعتبارين، اولهما ان تشابه الظواهر لا يعني خضوعها لنفس القوانين وهذا يلغي التعميم ، وثانيهما ان حدوث ظاهرة بطريقة ما اليوم لا يعني بالضرورة حدوثها بنفس الطريقة غدا ، وهذا يلغي التنبؤ لغياب الحتمية .

ثم ان هذا يقودنا الى نقطة اخرى وهي انكار الحتمية منطقيا وتجريبيا ، فقد اثبتت تجارب هيزنبرغ انه يستحيل معرفة مكان الالكترون وكمية حركته بنفس الوقت، فاذا عرفنا احدهما اثرنا على الاخر ، وهذا يعني ان التنبؤ اصبح غير وارد ، ولهذا لا يمكن القول بخضوع ظواهر الفيزياء الصغرى لمبدأ الحتمية . بل حتى ظواهر الماكروفيزياء تفلت في احيان كثيرة من يد العلم ويقف عاجزا امامها ، فتصدمه بوقائع غير التي توقعها، او تجعله غير قادر على التوقع اصلا مثلما هو الشان في الزلازل ثم لا ننسى ان الانسان ومهما حاول واجتهد في تقصي المعرفة ، سيبقى دائما غير قادر على التمكن منها بالمطلق ، وذلك لقصور ما يمتلكه من ادوات مستغلة في البحث .

فعلا قد شكلت اراء دافيد هيوم صدمة كبرى للعلم، وجاءت ازمة الحتمية لتزيد من تازيم الوضع اكثر ، فاصبح العلم عند الكثيرين مجرد اراء لا يمكن باي حال ان يقال عنها بانها دقيقة، ولكن رغم ذلك يبقى الايمان بوجود مبادئ تحكم الطبيعة ضروريا لقيام العلم ، فالواقع يقتضي ان نؤمن بالحتمية والسببية ونصدق نتائج الاستقراء حتى تاتي التجربة بمعطيات تثبت عكس ذلك .

هناك في الواقع فرق بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية، فقد كان ينظر الى نتائج العلم فيما مضى بنظرة وثوقية نوعا ما، وكانت معطياته تعتبر حقائق صادقة دون اي اشكال، وبعد التطور في مناهج البحث وكذا ظهور فلسفة العلوم والعقلية النقدية والنزاهة التي يتمتع بها اعلام الفكر الانساني، اصبح العلم اكثر تواضعا واكثر حذرا في التعامل مع الطبيعة، وصار ينظر الى نتائجه بنظرة فيها الكثير من التحفظ ، ما يعني انها اصبحت نسبية وقابلة للنقد والشك، ولكن هذا لا يمنع من صياغة نظريات علمية تعتبر صادقة ظرفيا مادامت تقدم تفسيرا عقلانيا ومقبولا للظواهر ، الى حين اثباتها او صياغة نظرية افظل منها .

اخيرا ؛ وعلى ضوء ما ذكرناه في معرض مقالتنا، نستنتج ان نتائج العلم تبقى نسبية رغم ايماننا وبحذر بعدة مبادئ تحكم الطبيعة، وهذا لا ينقص من قيمة العلم في شيء، ولا ينقض نتائجه ، بل يزيد من قدرته على التطور وتصحيح اخطائه، وهذا افضل ما يمكن ان يميز اي بحث انساني، فالوثوقية في العلم انتحار للعقل، والشك والنسبية هي دليل التواضع للمعرفة ، و محرك التطور، والباعث على البحث المستمر ، ويقول نيوتن : ” اذا كنت قد رايت ابعد من غيري ، فذلك لاني ارتقيت اكتاف العمالقة الذين سبقوني ” .

لمشاهدة مقالة الحتمية اضغط هنا

مقالة اهمية/قيمة/دور الفرضية

مقالة البيولوجيا

مقالة اهمية / ضرورة / قيمة الفلسفة

مقالة الشعور بالانا و الشعور بالغير تحليل

تحليل نص

مقالة الحرية و المسؤولية تخليل

مقالة الرياضيات

✓✓✓✓✓✓ Philobest الاستاذ : خروبي بلقاسم ✓✓✓✓✓✓

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *