[ و إذا تقرر هذا، فقد ظهر لك من قولنا: إن ههنا ظاهرا من الشرع لا يجوز تأويله، فإن كان تأويله في المبادئ، فهو كفر، و إن كان فيما بعد المبادئ، فهو بدعة؛ و ههنا، ظاهر يجب على أهل البرهان تأويله؛ و حملهم إياه على ظاهره، كفر: و تأويل غير أهل البرهان له و إخراجه عن ظاهره، كفر في حقهم أو بدعة.

و من هذا الصنف، آية الاستواء و حديث النزول و لذلك، قال عليه السلام في السوداء إذا أخبرته أن الله في السماء: (اعتقها، فإنها مؤمنة)، إذا كانت ليست من أهل البرهان، و السبب في ذلك، أن الصنف من الناس الذين لا يقع لهم التصديق إلا من قبل التخيل – أعني أنهم لا يصدقون بالشيء، إلا من جهة ما يتخيلونه – يعسر وقوع التصديق لهم بموجود ليس منسوبا إلى شيء متخيل. و يدخل أيضا، على من لا يفهم من هذه النسبة إلا المكان، و هم الذين شذوا على رتبة الصنف الأول قليلا من النظر، بإنكار اعتقاد الجسمية. و لذلك، كان الجواب لهؤلاء في أمثال هذه، أنها من المتشابهات و أن الوقف في قوله تعالى: ﴿ و ما يعلم تأويله إلا الله ﴾، و أهل البرهان – مع أنهم مجمعون في هذا الصنف، أنه من المؤول – قد يختلفون في تأويله، و لذلك بحسب مرتبة كل واحد من معرفة البرهان. و ههنا، صنف ثالث من الشرع متردد بين هذين الصنفين يقع فيه شك، فيلحقه قوم ممن يتعاطى النظر، بالظاهر الذي لا يجوز تأويله؛ و يلحقه آخرون بالباطن الذي لا يجوز حمله على الظاهر للعلماء، و ذلك لعواصة هذا الصنف و اشتباهه. المخطئ في هذا معذور، أعني من العلماء. ]

تحليل النص :

طرح المشكلة:

لقد ثبت عند ابن رشد من خلال النص السابق ( يمكنك الاطلاع على النص السابق من هنا ) إمكانية التأويل إلا أن هذا التأويل قد يكون معذور صاحبه و قد يقود صاحبه إلى الكفر، فمتى يصبح التأويل كفرا أو بدعة أو معذور صاحبه خاصة في تعلق بالظاهر من النص؟ مثل قضية الاستواء؟ و هل يجوز السكوت عن التأويل إن كان ظاهر النص لا يعبر عن باطنه، و من الذين يجوز لهم ذلك و من هم المحرم عليهم التأويل أو عدم التأويل؟

محاولة حل المشكلة:

موقف الكاتب:

يرى ابن رشد أن الظاهر من النص قد لا يجوز تأويله، فإن تم تأويلهم في المبادئ أي الذي يتناقض مع بديهيات الشرع مثل التسليم بوجود الله و النبوات و الملائكة يعتبر كفرا و إذا مس التأويل خارج هذه المبادئ يكون بدعة، كما أن هناك ظاهرا يقتضي تأويله من طرف أهل البرهان و إذا قام هؤلاء بتصديقه على ظاهره يعتبر كفرا و إذا قام غير أهل البرهان بتأويله فكذلك يعتبر كفرا أو بدعة.

و يقسم ابن رشد تصديق الناس إلى ثلاث مراتب و هم جمهور الناس الذين يصدقون ظاهر الشرع دون تأويل و هم جمهور الناس بحيث لا يقع لهؤلاء التصديق إلا إذا ارتبط تصديقهم بالمتخيل مثل الاستواء يفهمه عامة الناس بما تعودوا عليه في الحس فهؤلاء ليسوا من أهل التأويل أصلا و يسميهم ابن رشد بأهل الخطابة أو الجمهور و يكون تأويلهم لظاهر النص كفرا، أما الصنف الثاني فهم الذين عرفهم ابن رشد بأهل الجدل و هم من المتكلمين الذين ينكرون حسبه اعتقاد الجسمية و بالتالي يتم الاكتفاء بالرد على هؤلاء أن هناك المتشابهات أما الصنف الثالث هم أهل البرهان فيجوز لهم التأويل لكن قد يختلف تأويل هؤلاء حسب اختلاف قدرتهم في التعاطي مع النظر و المخطئ من هؤلاء و هم العلماء معذور، و بالتالي لا يجوز لكل الناس التأويل كما لا يكون التأويل مطلقا و يمس حتى المبادئ.

حجة الكاتب:

أكد الكاتب وجوب التأويل عند أهل البرهان و هم الفلاسفة و العلماء و اعتبر عدم تأويلهم و أخذ النص على ظاهره كفرا و ذلك من خلال التمييز بين ما يقبل التأويل و ما لا يقبل و كذا التمييز بين أصناف الناس الذين يصح تأولهم و عدم تأويلهم فقسم هؤلاء إلى ثلاثة و هم الخطابيون من جمهور الناس الذين يوجه لهم الخطاب فيصدقونه بالإيمان و هناك الجدليون من المتكلمين الذين همهم هو تنزيه الخالق عن كل صفات جسمية و البرهانيون و هم العلماء و الفلاسفة.

مناقشة الكاتب:

إن هذا التصنيف الذي وضعه ابن رشد بخصوص تعامل الناس مع ظاهر النص يعطي التبرير لإجازة تأويل النص من طرف الفلاسفة و بالتالي رفع كل محاولة لتكفيرهم مثلما عمد الغزالي الذي لم يميز هذه الفئة عن عامة الناس.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *