[ و إلى هذا كله، فقد نرى أن أبا حامد قد غلط على الحكماء المشائيين فيما نسب إليهم من أنهم يقولون: أنه تقدس و تعالى لا يعلم الجزئيات أصلا؛ بل يرون أنه تعالى يعلمها بعلم غير مجانس لعلمنا بها، و ذلك أن علمنا بها، معلول للمعلوم به، فهو محدث بحدوثه متغير بتغيره. و علم الله سبحانه بالوجود على مقابل هذا؛ فإنه علة للمعلوم الذي هو موجود. فمن شبه العلمين أحدهما بالآخر، فقد جعل ذوات المتقابلات و خواصها واحدا، و ذلك غاية الجهل.
فاسم العلم إذا قيل على العلم المحدث و القديم، فهو مقول باشتراك الاسم المحظ، كما يقال في كثير من الأسماء هنا على المتقابلات، مثل الجلل المقول على العظيم و الصغير، و الصريم المقول على الضوء و الظلمة. و لهذا، ليس ههنا حد يشمل العلمين جميعا، كما توهمه المتكلمون من أهل زمننا؛ و قد أفردنا في هذه المسألة، قولا حركنا إليه بعض أصحابنا. ]
تحليل النص :
طرح المشكلة:
ذكر ابن رشد في نصه السابق ( اضغط هنا للاطلاع على النص السابق ) أن “الغزالي” كفر الفلاسفة المشائيين أي إتباع “أرسطو” من أمثال الفارابي و ابن سينا في ثلاث مسائل من بينها قولهما إن الله عز و جل لا يعلم الجزئيات، فهل ما قاله الغزالي عنهم صحيح و بالتالي هل يصح تكفيره لهم؟
محاولة حل المشكلة:
موقف الكاتب:
نفى ابن رشد أن يكون الفلاسفة الإسلاميون “الفارابي” و “ابن سينا” قد قالا أن الله لا يعلم الجزئيات و أن “الغزالي” قد وقع في الغلط عندما نسب إليهم هذا القول الذي لا أساس له و يقول “ابن رشد” أن هؤلاء يرون أن علم الله غير مجانس لعلمنا أي هناك فرق بين علمنا و علم الله فعلم الإنسان نتيجة للمعلوم به؛ أي لولا وجود الشيء المعلوم لما وقع العلم به و بالتالي العلم بالشيء يتغير بتغير المعلوم به فهو نتيجة له و الشيء المعلوم هو سبب علمنا. لكن علم الله مختلف فهو سابق عن المعلوم بل علم الله علة للمعلوم، ثم يشرح “ابن رشد” اسم العلم فيجد أنه قد يقال على المحدث و القديم و فرق بينهما من حيث الاسم فقط، لهذا لا يمكن أن يكون هناك حد يشمل العلمين جميعا بل كل علم يظهر متميزا عن غيره.
حجة الكاتب:
برر الكاتب إنكاره لموقف الغزالي في تكفير “الفارابي” و “ابن سينا” في مسألة علم الله بالجزئيات من خلال التمييز بين علم الله و علم الإنسان أي لا نستطيع مهما كانت لنا من قدرة أن نعرف مضمون علم الله ثم أن علم الله بالشيء سابق عن وجود الشيء بينما علم الإنسان بالشيء لاحق به أي لولا الشيء المعلوم لما كان لنا علم به.
مناقشة الكاتب:
هذا الإنكار هو واحد من الانتقادات الكبرى التي وجهها “ابن رشد” للغزالي. فنلاحظ من خلال هذا النص الموقف الدفاعي عن “الفارابي” و “ابن سينا”، و كانت هذه المسألة التي وقف عندها “ابن رشد” حاسمة في الدفاع عن الفلسفة و الفلاسفة، خاصة عندما تصل المسألة إلى درجة التكفير، و هذا كان يترتب عليه عدة أمور في عصر “الغزالي”، و القراءة العقلية أو البرهانية بينت خطأ الغزالي.