الحصة: درس نظري.

الإشكالية الأولى:
في إدراك العالم الخارجي.

المشكلة الرابعة: في الذاكرة و الخيال
الشعبة:
03آداب وفلسفة

التقويم: شفوي، كتابي، مرحلي، ختامي، ذاتي.

المراجع: كتاب إشكاليات فلسفية، معاجم فلسفية و تراجم للفلاسفة، وثائق مكتوبة و صور ذات صلة بالدرس.

الكفاءة المستهدفة: إدراك العلاقة الجدلية بين الوظائف الذهنية العليا والتمييز بينها.

الـجــانـب المنهجيالــــمضــــــاميـــــــــــــن الــمـعــرفـــــية
 
المجال الإشكالي:
 
المجال التساؤلي للمشكلة الثانية:

إذا كنا لا نستغني عن العلم الخارجي في نشاطاتنا الذهنية، فإننا في استحضار ذكرياتنا وتحريك خيالاتنا، نبني ونبدع، ولكن لماذا لا يسعنا في بنائنا أو إبداعنا إعادة معطيات الماضي ولا مدركات الحاضر كما هي ؟
الأسئلة التشخيصية لبداية الدرس.

عرض وضعية مشكلة ص78
* عرض وضعية مشكلة :

ـ لنتابع الحوار بين طالبتين ( منى ورجاء ) اللتين تجمع بينهما صداقة قوية ، ومضمون هذا الحوار محاولة تذكر رجاء أول يوم لقاءهم في الثانوية .
* تحليل الوضعية المشكلة:

الحوار بينهما وصل إلى نهاية مفتوحة ومجهولة مثيرة للقلق . ومن خلال هذا الحوار نفهم طبيعة التذكر التي تتوقف على الإحاطة بثلاثة عناصر هي :
1- خصوصية الإنسان.
2- خصوصيته الفردية ما يفرزه من صعوبات في التكيف .
ما مفهوم الذاكرة؟

المؤشر
أجاب عن السؤال X

أغلبية التلاميذ
البعض
قلة منهم
من خلال ما عرفته عن الذاكرة ما هي وظائفها؟ماذا تستنتج؟

ـ هل الإنسان يتذكر بالوراثة؟أم يتذكر إلا ما تعلمه و خبره؟فتعلمك لشيء خاطئ لا يعني عدم تذكره بالخطأ لأن ذلك لا يعود للتذكر بل للتعلم.
ما هي أنواع التذكر؟
كيف يكون التذكر عفويا؟
قدم مثال على ذلك؟
كيف يكون التذكر إرادي؟
قدم مثال؟
ما هي أنواع الذاكرة؟
ما هي الخلاصة التي تصل إليها؟
أين تخزن الذكريات ؟
وكيف يتم استرجاعها ؟
ـ تميز القرن 19م بسيادة الاتجاه المادي و ما نتج عنه من تفسير نتائج العلم خاصة الكيمياء و الفيزياء بأسباب مادية فما أخذ بعلماء النفس إلى تفسير الظواهر النفسية ماديا.
Théodule Ribot
فيلسوف وعالم نفس فرنسي،ساهم بأبحاثه في
تطور علم النفس التجريبي وعلـــم
النفس العيادي،درس في جامعــة السربون ومعهد فرنسا،و أسس المجلة الفلسفية في 1876.
من مؤلفاته

علم نفس الإحساسات
أمراض الذاكرة
أمراض الإرادة
ـ حتى تساءل الناس عن عدد الخلايا التي حددها ربو ب 600مليون خلية.
BROKA

طبيب للأمراض العصبية،فحص دماغ رجل كان يعجز عن الكلام فوجده يشكوا من خلل في الفص الأيسر وبعد العديد من الملاحظات وجد أن التعبير اللفظي تتحكم فيه منطقة في الدماغ في النصف الأيسر للدماغ سماها”منطقة بروكا”
و قد اختلفوا في كيفية حفظ الذكريات فمنهم من قال أنها تخزن على شكل اهتزازات و منهم من قال على شكل تفاعل كيميائي
لكن أليس هناك حالات يبقى
فيها الدماغ سليما و مع ذلك
نفقد ذكرياتنا ؟
هذا على ماذا يدل ؟
Bergson Henri

فيلسوف فرنسي،تال جائـــزة
نوبــــل للآداب عام
من مؤلفاته:

المعطيات المباشرة للوعي.
التطور الخارق.
منبعا الأخلاق والدين.
“لو وضح حقا أن تكون الذكرى محتفظة في الدماغ لما أمكنني أن أحتفظ لشيء بذكرى واحدة بل بآلاف الذكريات”
مثل:التعود على الكتابة :فهي لا تذكرك بالأستاذ و الظروف التي تعلمتها فيها بل آليا.
هناك ذكريات لا تمحى من
حياتنا ؟ لماذ ا ؟
يقول:دولاي”يمكن للذكرى أن توجد دون أن تظهر لكن لا يمكنها الظهور دون مساعدة الدماغ’
هل الذكريات هي ذكريات
الفرد فقط ؟
يقول هالفاكس:”في حين أن الذكريات إنما تستمد وجودها من ذكريات الآخرين ،من الأطر الاجتماعية للذاكرة الاجتماعية”
طبيب و عالم نفس فرنسي متأثر بريبو.
ـ يقول هيدغر”إن الإنسان الكائن الوحيد الذي لا يعيش بمعزل عن الآخرين”ـ الوجود مع الآخرـ
*عرض وضعية مشكلة : في رواية الأديب العالمي سيرفانتس المعروفة ب ( دون كيشوت)
* تحليل الوضعية المشكلة :

تنازعت ( دون كيشوت ) ثلاثة نوازع نفسية لم يستطيع أن يغلب إحداها على بقيتها :
1 – تأثره بما قرأه من ماضي أولئك الفرسان الحافل بالبطولات ..
2 – إدراكه أن واقعه الشخصي والاجتماعي في حاجة إلى إحياء تلك البطولات .
3- ملاحظة عجزه مما أدى به إلى التوسل بالخيال الجامح …
استنتاج:
من وحي ذلك نتساءل: ما هو مفهوم التخيل ؟ وما طبيعته ؟ وما قيمته في استشراف هذا الواقع وصناعة صوره لا’بداعية ؟
صور معلومات ماضية + صور معلومات حاضرة = نتائج جديدة يتصورها في المستقبل التخيل .
ـ كيف نفهم الاسترجاع بين التخيل و الابداع؟
التذكر: تذكر حادثة كما وقعت بالترتيب و كل حيوية ووضوح هو استرجاع الماضي وفق ترتيب معين والتعرف عليه منن حيث هو كذلك .
التخيل:التصرف في حادثة بالتركيب و التحليل و حرية حيث يصبح الماضي أجمل ما كان عليه وفقا لنفسية المستقبل.
ـ كيف نفهم العلاقة بين الإدراك و التخيل؟
ـ لكن هل فعالية التخيل كلها صورة واحدة معبرة عن الإبداع أم أنه أشكال مختلفة؟
فدم صور و أمثلة للتخيل الإبداعي في كل الميادين؟
ـ إذا كان التخيل تجاوزا
للواقع،أفلا يمكن للواقع أن
يكون منبع التخيل ؟
لماذ يبدع البعض ؟ هل ذلك
يتعلق بشروط ذاتية ؟ أم أن
المجتمع هو المسؤول عن
صنع العباقرة والمبدعين ؟
ما أثر المجتمع في صنع
المبدعين ؟
العقل العربي الواعي يقف أمام مفارقة عجيبة ،التطور و الإبداع الذي يوجد عند الغرب،والتخلف الموجود في أمتنا ،لا إبداع ولاكتشاف،تبعية مطلقة للغرب، فنتساءل:ما السبب؟لا شك أن ذلك يعود إلى المجتمع،فأوربا تقدس الإنسان الأوربي وتشجع المواهب و الكفاءات،وتوفر كل معطيات البحث العلمي، وتحترم العلماء ،وتنفق أموالا طائلة على تعليم أبنائها وتثقيفهم و غرس حب العلم في نفوسهم،على خلاف العرب،إذ لا اهتمام بهذه الأمور، ولا يحترمون عقوله أبنائهم و لا مواهبهم.
ما معنى النسيان ؟
هل النسيان حالة مرضية
تهدد كيان الإنسان؟ أم هو
حالة طبيعية؟بل وضرورية
أحيانا ؟
هل الذاكرة التي تنسى
مريضة بالضرورة؟ أليس
النسيان شرطا لسلامتها ؟
و هذا الجانب الإيجابي للنسيان .
وهناك الكثير من القصص في واقع الإنسان تؤكد هذا الطرح،ففي جامعة بريطانية حيث كان الطلاب يدرسون الحقوق كان هناك طالب له آمال و أمان مستقبلية،كان يخطط لها من أول سنة دراسية،لكن شاءت الأقدار أن تغير مجرى حياته، إذ أنه بينما كان يوما ما في قاعة الدرس،فجأة أغمي عليه و سقط ،فتم نقله إلى المستشفى قصد علاجه،لكن فات الأوان،إذ توصل الأطباء إلى أن خرابا كبيرا وقع في دماغه نتيجة تسرب الدم بفعل تمزق وريد صغير جدا في الدماغ لا يرى بالعين المجردة،ففقد ذاكرته و ماضيه، وكل تحطمت كل أمانيه و أحلامه.
هذا الجانب السلبي للنسيان.
إذا كنا لا ننكر أن التخيل قاد
الإنسان إلى الإبداع الذي
أفادنا كثيرا، أفليس هناك
جانبا سلبيا له ؟
الحلم نشاط عقلي طبيعي يحدث أثناء
النوم،و لا يمكن اعتباره أداة واعية،
بل هو سلــسلة من الــــــــــحوادث
اللاشعورية.

المكتسبات القبلية المفترضة:
 
– كفاءات وقدرات لغوية للتعبير والتواصل، والكتابة.
– كفاءات معرفية تاريخية مرتبطة بالحضارة اليونانية القديمة، والحضارة الإسلامية الوسيطة، والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة.
– معارف علمية وتاريخية سابقة.
– التمكن من الكفاءات الفلسفية المكتسبة من دراسة المشكلات الفلسفية المقررة السابقة”الإحساس و الإدراك اللغة و الفكر،الشعور و اللاشعور .
مقدمة (طرح المشكلة):

ـ يقول هيدغر “الإنسان كائن دو ثلاثة أبعاد” لأنه
يمتاز بقدرته على استخدام ماضيه،والاستفادة منه للتكيف مع ما يواجهه من ظروف،فلا ندرك ما هو جديد إلا تحت نور الماضي أو الذكريات،وإذا كان الإدراك يطلعنا على وقائع الحاضر،فإن الذاكرة تطلعنا في الحاضر على وقائع الماضي،لكن حياة الإنسان لا تقتصر على هذين البعدين فقط،بل تتعدى ذلك إلى المستقبل،وذلك أننا قادرين على تجاوز الماضي والحاضر معا وننظر إلى المستقبل بخيالنا،ونتوقع مشاكله ونتخيل حلولا،وما أكثر المشاكل التي تواجهنا،وحلها يستلزم حضور الذاكرة والخيال معا،والسؤال الذي نبحث له عن جواب هو:إذا كنا لا نستغني عن العالم الخارجي في نشاطاتنا الذهنية،فإننا في استحضار ذكرياتنا وتحريك خيالنا نبني ونبدع،لكن لماذا لا يسعنا في بناءنا وإبداعنا إعادة معطيات الماضي ولا مدركات الحاضر كما هي؟
و أول ما نتطرق إليه هو الذاكرة:
ـ و عليه ما مفهوم التذكر؟و ما هي عوامل تثبيت الذكريات؟و ما هي أنواع الذاكرة؟
محاولة حل المشكلة:

الدرس الأول:مدخل إلى الذاكرة.
01 ـ ضبط مفهوم الذاكرة:

الذاكرة:
في الفرنسية:Mémoire/في الإنجليزية:Memory/في اللاتينية: Memoria.
التذكر:REMINISCENCE
ـ هي الوظيفة التي تعمل على حفظ الخبرات الماضية ،و القدرة على إعادة إحيائها واسترجاعها ،قصد التكيف مع الوضع الراهن(الشعور بالماضي و بواسطتها نعيش الحاضر).
ـ أي أن الذاكرة هي مستودع و وعاء تخزن فيه الذكريات و المعلومات و المعارف و المهارات المختلفة.
ـ يعرفها جميل صليبا في معجمه:”الذاكرة هي القدرة على إحياء حالة شعورية مضت وانقضت مع العلم والتحقق أنها جزء من حياتنا الماضية.”
ـ يعرفها أندري لالاند في موسوعته بقوله:”الذاكرة وظيفة نفسية تتمثل في إعادة حالة شعورية ماضية مع التعرف عليها من حيث هي كذلك.”
ـ يعرفها جورج ميلر:”حفظ واستبقاء المهارات والمعلومات السابق اكتسابها.”
ـ يعرفها بن سينا:”هي قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ من شأنها حفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية.”
-هي منطقة على مستوى الجملة العصبية وظيفتها اختزان الحوادث و السلوكيات والتصورات.
ـ الذاكرة عملية نفسية شعورية، تدل على خصوصية إنسانية عامة، يتفاوت فيها الأفراد حسب قدراتهم.
وظائف الذاكرة:

ـ للذاكرة عدة وظائف منها:
ـ تثبيت الذكريات(أي عملية تخزين و حفظ المعلومات و المعارف بمختلف أشكالها ،التعرف على الخبرات(الذي سبق للذات أن عرفتها و خزنتها)،الاستدعاء(و عبارة عن حضور و عودة الفكرة أو الخبر أو الشيء)،إعادة إحياء أو بناء المواقف السابقة( أي تذكر الشيء و ربطه بالموقف الذي أحدثه ،و إعادة إحيائه من جديد رغم أنه مضى و انقضى).
02 ـ عوامل تثبيت الذكريات:

من العوامل التي تساهم في تثبيت الذكريات:
أ – العوامل الموضوعية:
يعتقد البعض أن التذكر مرتبط بالعوامل الخارجية ، وهذا بالنسبة لأنصار النظرية الجشتالتية لأننا نتذكر الموضوعات الأكثر تنظيما من غيرها وكذلك الوضوح، البروز، التشابه،التكرار …
01 ـ التكرار:(المجزأ):يعتبر التكرار من العوامل الهامة التي تساهم في تثبيت الذكريات مثل :التلميذ في امتحان البكالوريا.
02 ـ الوضوح و المعنى:كلما كان الموضوع المراد تثبيته واضح و له معنى سهل تثبيته
03 ـ الجرس الموسيقي:أي صيغة الكلام الجميل يساعد على الحفظ مثل الأدباء،الشعراء،وقراءات القرآن الكريم”تجويد و ترتيل”
04 ـ عدم تداخل المواضيع:فاختلاف المواد تسهل عملية الاكتساب و تسهل التذكر.
05 ـ التوافق:توافق الموضوع مع استعدادات الفرد “الفلسفة مع المراهق”

ب – العوامل الذاتية:

أننا لا نتذكر إلا الحوادث التي لها قيمة نفسية، وما كان له علاقة باهتمامنا ورغبتنا وقدرة الانتباه والتركيز، حيث تتدخل كل الفعاليات العقلية والنفسية لتشكل عنصر معرفة وإدراك العالم الخارجي ليحقق التوازن النفسي.
01 ـ عامل جسمي:يتعلق بالحالة الصحية للفرد و سلامة أعضائه ،كسلامة الدماغ”التلميذ الذي يرهق نفسه أثناء الامتحان”
02 ـ عامل نفسي:و يتعلق بالأحوال النفسية للفرد كالانتباه و الميول “الميل لمادة لحادثة و عامل العمر الصغير له قدرة على حفظ القرآن أكثر من الكبير”
ـ تكامل العوامل الموضوعية و الذاتية يسهل عملية تثبيت الذكريات.
03 :أنواع التذكر:

إن استرجاع الذكريات أمر ضروري في حياة الفرد للتكيف مع متطلبات الحاضر فقد يتم بشكلين:
ـ01ـ التذكر العفوي”التلقائي”:

ـ هو استرجاع الماضي و حضور الذكريات من دون بذل أي جهد نتيجة منبه معين،فنتذكر أحداثا برغم إرادتنا،أي الذكريات تحضر من تلقاء نفسها
مثال:
الأم الثكلى التي ترى ملابس ابنها الفقيد تسترجع ذكراه حتى ولم تشأ ذلك،وبغير إرادة منها،ذلك أن الملابس لارتباطها بالابن تظل منبها لاستدعاء صورة الولد بصورة تلقائية.
و للتذكر العفوي قوانين أهمها:
أ ـ قانون الاقتران:اجتماع حالتين نفسيتين معا فيولد بينهما ارتباط فإذا خطرت إحداهما على الذهن تذكرنا الأخرى مثل: العلم يذكر بالوطن و الشهداء،17 من رمضان تذكرنا بغزوة بدر.
ب ـ قانون التشابه:الأحوال المتشابهة تدعوا بعضها بعضا مثل :كرؤيتك للهر تذكر بالنمر،ورؤيتي لشخص تذكر بالآجر إذا كان متشابهان.
ج ـ قانون التضاد:قيل “الضد بالضد يعرف””المعاني تعرف بأضدادها”،مثل: المرض بالصحة،الفقر بالغنى،الفشل بالنجاح.
د ـ قانون الشدة:كلما كان تأثير الحوادث أقوى في الذهن،كان أسرع في التذكر مثل:الفرح و الحزن.
ه ـ التواتر:التكرار يجعل استرجاع الذكريات أمر بسيط مثل شعارات الإشهار.
ـ 02 ـ التذكر الإرادي:

ـ هو أرقى وظائف الذاكرة لأنه تذكر منظم،يتميز بتدخل العقل و حضور الوعي و هذا يتطلب بذل جهد أكثر و تأملا و فهما،بمعنى الاستعانة بالوظائف العقلية في استحضار خبرة ماضية قصد استعمالها في موقف معين”استرجاع الحوادث الماضية بإرادتنا”
مثال: – تذكر التلميذ لما حفظه من معارف أيام إجرائه لامتحان الباكالوريـا لا يتم بطريقة عفوية و إنما إرادية.
ـ 04 ـ أنواع الذاكرة:

أ ـ الذاكرة العقلية:
ـ و هي التي تقوم بحفظ المعاني و الأفكار و الأحكام و التصورات فهي تعبر عن مجموع الصور العقلية،و لها دور في تنمية القدرات العقلية و تنشيطها و في اكتساب المعارف و العلوم، و من أبرز صورها التذكر الإرادي.
ب ـ الذاكرة الانفعالية:

ـ و هي مرتبطة بالقدرة على تذكر الأحوال الانفعالية السابقة و ما بصحبها من شعور و انطباعات نفسية و هي التي تحيي العواطف ومن أبرز صورها التذكر العفوي.
ج ـ الذاكرة الحسية:

ـ و هي ذاكرة الصور الحسية،أي ما نتصوره بأي أداة حسية كالصور البصرية والنغمات الصوتية و تصور رائحة الورد و غيرها مثال: إذا تذكر الإنسان حديثا بجميع ألفاظه و لهجة الكلام كانت ذاكرته حسية، و إذا لم يتذكر من الحديث إلا معانيه كانت ذاكرته عقلية.
خلاصة(للدرس الأول):

ـ الذاكرة كخبرات ماضية ،بأنواعها المختلفة التي تدل على حقيقة جوهرية واحدة ،هي أن الذاكرة وظيفة ضرورية لفهم الوضع الحاضر و معرفته وسيلة للتكيف مع مختلف ظروفه و إحداث توازن و توافق بين الفرد و بيئته.
طبيعة التذكر:الدرس : 02

تمهيد:

ـ إن الذاكرة ميزة إنسانية أصيلة وهي الميزة التي جلبت اهتمام الفلاسفة و العلماء و المفكرين و فرضت عليهم البحث عن حقيقتها، فبعدما يتم تثبيت الذكريات استنادا إلى العوامل الموضوعية و الذاتية يصبح من الممكن عودتها عفويا أو إراديا،لكن تفسير هذه العودة تناوله عدة آراء منها من يرجعها إلى عوامل عضوية،و منها من يرجعها إلى عوامل نفسية،و هناك من يربطها بأطر اجتماعية و عليه:
ـ هل الذاكرة ذات طبيعة عضوية أم أنها ذات طبيعية نفسية روحية شعورية؟هل الذاكرة ذات طبيعة فردية أم أنها ذات طبيعة اجتماعية؟

01 ـ النظرية المادية “التفسير العضوي،المادي،البيولوجي،الفيزيولوجي”:

ـ ذهبت النظرية المادية بوحي من الفكرة الديكارتية القائلة “الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم” إلى القول أن الذاكرة ذات طبيعة مادية عضوية فيزيولوجية،إذ يرد أصحاب هذا الرأي التذكر إلى خصائص عضوية مادية،فعملية تثبيت و حفظ و استرجاع الذكريات مرتبط بأجهزة عضوية موجودة في الدماغ و هي المسؤولة عن مختلف عمليات الذاكرة.
ـ يرى عالم النفس الفرنسي Théodule Ribot أن الذاكرة ذات طبيعة مادية وهي لا تختلف في وظائفها عن الوظائف الفيزيائية،فالذاكرة تمتلك خاصية القابلية للاحتفاظ بآثار الذكريات المسجلة في خلايا القشرة الدماغية،فالذكريات هي بمثابة الشريط السمعي الذي تسجل فيه الأغاني،وهكذا تبقى الذكريات محفوظة في الدماغ إلى أن تتم عملية الاسترجاع عن طريق المنبه(المنبه ينشط دوائر المخ العضوية التي تخزن فيها الذكريات لذا ينصح العلماء التلاميذ بخلق لأنفسهم منبهات للاسترجاع بتنظيم المادة في مخططات) في قوله “الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية،سيكولوجية بالعرض”،كما أنه يذهب إلى أن حفظ الذكريات يزداد مع التكرار الطويل لها يقول تيودول
ريبو”أن الذاكرة وظيفة عامة للجهاز العصبي بذلك فطبيعة التذكر أساسها العضوية المرتبطة بالجسد”.
ـ و عليه يكون المخ كما يرى ذلك تين
“المخ وعاء لحفظ الذكريات”

و لكل نوع من الذكريات ما يقابلها من الخلايا العصبية.

– أدت التجارب التي قام بها العالم الفرنسي بروكا إلى صحةهذه النظرية المادية لريبو، إذ تدل التجارب على أن حدوث نزيف دموي في قاعدة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية من الدماغ يولد مرض الحبسة، وهو فقدان القدرة على النطق،سببه فقدان القدرة على تذكر الكلمات، وأن إصابة الجهة الجدارية من الجهاز العصبي يولد مرض العمى اللفظي”أمينيزيا” وهو عدم فهم معاني الكلام،سببه فقدان القدرة على تذكر معاني الكلام،يقول بروكا
“أمراض الذاكرة الحسية الحركية سببها الإصابات الدماغية في منطقة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية للدماغ”

ـ و قد أيد الطبيب بيفيلد في مؤتمر عالمي أن التنشيط الكهربائي للدماغ يعيد الذكريات.
– يقال أن الطفل هو أكثر قابلية للتذكر باعتبار جملته العصبية مرنة مع قوة استعداده لتقبل الآثار، والاستمساك بها، فالأعصاب الناقلة سهلة المسالك،وهي تتوصل إلى الاستجابة بسهولة،ونجد جملة من المفكرين يؤيدون الطرح المادي أمثال الشيخ بن سينا
حينما يقول:”إن الذاكرة قوة محلها التجويف الأخير من الدماغ، من شأنها حفظ ما يدركه الوهم من المعاني الجزئية.”
النقد:

ـ لقد أرجعت هذه النظرية حفظ الذكريات و استرجاعها إلى جانبها المادي فقط،فقد تزول بعض الذكريات مع سلامة القشرة الدماغية،فلو قالوا أن للدماغ دور في عمل الذاكرة لكان مقبولا لكن هذا تطرف لم تثبته أبحاث العلماء.
ـ ضيف إلى ذلك الإنسان أن الإنسان ليس آلة فقط فقد يفقد الإنسان بعض الذكريات ليس بسبب مادي بل بسبب صدمات نفسية عنيفة كما أن إصابة الدماغ لا تعني زوال الذكريات و إنما يعني فقدان القدرة على استرجاعها،لأنه قد يسترجعها في أي لحظة على إثر تنبيه قوي.
ـ كما أن التذكر هو استرجاع حالة ماضية،إذن له علاقة بالزمن،هذا الأخير معنوي،وما هو معنوي يتم في النفس.
02 ـ التفسير الروحي الشعوري للتذكر: النظرية النفسية السيكولوجية:

ـ يتزعم هذه النظرية الفيلسوف الفرنسي الشهير هنري برغسون الذي يرى أن الذاكرة ليست ظاهرة فيزيولوجية بل هي ذات طبيعة نفسية محضة، أي جوهر روحي و ديمومة شعورية تسجل كل ما عشناه و مر بنا، لذلك يؤكد بأنه لا يوجد علاقة بين المراكز الدماغية و فقدان الذكريات لأنه يعود إلى عدم القدرة على التذكر و يقول في هذا الصدد“لو كانت الذكريات مخزونة في خلايا الدماغ لوجب أن يختلف النسيان باختلاف الفساد الذي يطرأ عليها” “الذكريات تخزن في أعماق النفس”.
ـ و لتوضيح هذا الأساس و الرد في نفس الوقت على أصحاب التفسير المادي يميز برغسون بين نوعين من الذاكرة:
..الذاكرة العادة”ذاكرة الجسم”:وعمادها الجسم، فهي ذاكرة جسمية أو حركية، وهي حركات مخزنة و مكتسبة في الجسد نتيجة التكرار،و تكون على شكل عادات آلية مرتبطة بالجسم،و هي لا تعبر عن حقيقة التذكر بل مجرد أداة نفعية.
ـ ..الذاكرة الروحية:و هي المعبرة الحقيقية عن الذاكرة لأنها تشمل الماضي و تستحضره و تعيد إحيائه،فهي ذاكرة الصور النفسية المرتبطة بديمومة الشعور،و مستقلة عن الدماغ، وهي ذاكرة نفسية خالصة، ومــا الدماغ إلا أداة استحضار في قوله“النفس تتعرف و الدماغ يستدعي”، ومادامت الذكريات روحية فلا معنى للسؤال: أين توجد!!فقد سئل برغسون يوما: أين تحفظ الذكريات؟فقال:”لا أدري أي معنى لسؤالنا أين!!حيث لا يكون الحديث عن الجسم، إن التسجيلات الفوتوغرافية تحفظ في علبة، والتسجيلات الصوتية تحفظ في خزانة، ولكن لا حاجة للذكريات إلى مخزن، وما هي بالأشياء التي ترى وتلمس، ولكن يمكن القول مجازا أن الذكريات توجد في الذهن،فالذاكرة شعور قبل كل شيء.”

ـ و عليه الذاكرة معطى عقلي و نفسي، أي أنها تقوم على الفهم،ففهم الفكرة يساعدنا على الحفظ، والذي يثبت هذا إيبنجاهوس من خلال تجربه حيث ألزم مجموعة من الأطفال بحفظ مقاطع من شعر بيرون عديمة المعنى،وفي نفس عدد مقاطعها ألزم فريق آخر بحفظ مقاطع لها معنى لنفس الشاعر، فتبين له أن الأول تتطلب 75قراءة، والثانية 38قراءة.
– ما يثبت أن التذكر متعلق بحياتنا النفسية الداخلية هو أن الحوادث الماضية، خاصة القاسية تترك فينا آثارا يصعب علينا محوها أو نسيانها، كما أننا غالبا ما نتذكر ما له علاقة مع اهتماماتنا و ميولاتنا، فهناك من له قدرة عجيبة في حفظ الشعر مثلا لأنه يميل إليه و يهتم به.
النقد:

ـ لاشك أن التمييز بين الذاكرة الحركية و النفسية يساعدنا على تصنيف الذكريات/إلا هذه النظرية لم تقدم حلا لمشكلة التذكر أي أنها لم توضح أين تحفظ الذكريات و كيف يتم استرجاعها كما أنه لا يمكن فهم الذاكرة كشعور نفسي غير مرتبط بالجانب المادي لذلك قيل أن برغسون نظر إلى الذاكرة نظرة فيلسوف و ليس نظرة عالم، والفصل التام بين ما هو عضوي و ما هو نفسي فيه مبالغة،والتجربة تثبت أن استرجاع الذكرى يحتاج إلى سند مادي ملائم، فالذاكرة قد تبعثها حركات جسمية.فالطرح المادي يبقى أقرب للموضوعية العلمية.
ثالثا:الذاكرة الاجتماعية و ذاكرة الفرد:

الذاكرة فردية:

ـ ترى النظرية المادية أن الذاكرة مرتبطة بالدماغ، فهي إذن مرتبطة بذات الفرد، ويرى علماء النفس أن فعل التذكر مرتبط بالفرد حسب حالته النفسية.
الذاكرة جماعية:

ـ يرى علماء الاجتماع أمثال
إميل دور كايم أن الفرد كائن اجتماعي غير مستقل عن الجماعة وهو مرتبط بـ:(أسرة،مدرسة،مجتمع)،لأنه جزء من واقع اجتماعي فالمجتمع سلطة متعالية مستقلة و الظواهر الاجتماعية تتميز بموضوعيتها كما يرى دور كايمو هي مزودة بالإلزام و الجبر و هي من إنتاج العقل الجمعي و سلوك الفرد لا يترجم إلا من اجتماع الأفراد،و عليه فالذاكرة و مهما اتصفت بالصفة الفردية ،تبقى متينة الصلة بالحياة الاجتماعية التي يستمد منها الفرد وجودة و قيمه،فالصبغة الأساسية للذكريات هي الصبغة الاجتماعية،لذلك كانت ملامح الذاكرة الفردية لا تتحدد إلا من خلال طبيعة الموقع الذي يأخذه الفرد داخل مجتمعه و أن الجماعة التي ينتمي إليها هي التي تقوم بحفظ خبراته الماضية ،وهو نفس ما يذهب إليه هالفاكس“1877 ـ 1954”
في كتابه“الأطر الاجتماعية للذاكرة”حينما قال:” إنني في أغلب الأحيان عندما أتذكر فإن الغير هو الذي يدفعني إلى التذكر،لأن ذاكرته تعتمد على ذاكرتي،كما أن ذاكرتي تعتمد على ذاكرته.” و من هنا كان الفرد داخل الجماعة لا يعيش ماضيه الفردي الخاص بل يعيش ماضيه الجماعي فيتذكر الاحتفالات الدينية و الوطنية.
ـ أما بيار جانيه يرى أن الذكريات ليست شخصية بل تعود إلى الجماعة ،فالذكريات كانت إدراكات مشتركة لأفراد ينتمون إلى نفس الجماعة و عليه تتأثر الذكريات بمفاهيم و قيم المجتمع يقول“لو كان الإنسان يعيش منعزلا عن الحياة الاجتماعية لما كان بحاجة إلى الذاكرة”
،و يقول “الذاكرة هي ذاكرة الأسرة و الجماعة الدينية لأن الإنسان يعيش ماضيه الجماعي”

نقد:

ـ رغم أن المجتمع قد يشكل إطارا عاما لتكوين الذكريات ،إلا أنه هناك العديد من الذكريات الفردية الشخصية و الخاصة المرتبطة بميولاتنا التي يتذكرها الفرد بحرية مطلقة و لا دخل للمجتمع فيها.
خلاصة:
الذاكرة ليست مجرد وعاء لتسجيل الخبرات بل هي وظيفة حيوية تعبر عن حضورها الفردي في شعورنا الراهن و ليست بمعزل عن العالم الخارجي ، و البيئة التي نعايشها.
II/-كيف يمكن اعتبار التخيل استشرافا لما هو آت بغية إبداع صور لما هو واقع ؟

ـ التخيل بين الاسترجاع و الإبداع:

تمهيد:

ـ الإنسان عند تكيفه ، فهو لا يعتمد على صور حاضرة فقط بل قد يستند على صور ماضية دون أن يربط هذه الأخيرة بزمانها و مكانها ،فبوسعه أن يضع فرضيات للتكيف مع المواقف الجديدة و هذا ما يطلق عليه اسم التخيل و عليه نتساءل:
ـ ما مفهوم التخيل؟و ما هي أنواعه ؟و كيف يمكن اعتبار التخيل استشراقا لما هو آت بغية إبداع صور لما هو واقع؟
01 ـ مفهوم التخيل:

ـ التخيل عند جميل صليبا:“قوة مصورة ،أو قوة ممثلة،تريك صور الأشياء الغائبة و تحضرها”
ـ و يعرفه ابن سينا:“قدرة العقل على التصرف في الصور بالتركيب و التحليل”
ـ و يعرفه لالاند:“هو ملكة تركيب شيء لا واقعي(المكان)و لا موجود(الزمان).
و يعرفه محمود يعقوبي:“قدرة الفكر
على استحضار
الصور بعد غياب الأشياء التي أحدثتها و تركيب الصور تركيبا حرا”
ـ و يعرفه غاستون باشلار: “ليس ملكة تكوين الصور ،بل ملكة تغيير الصور التي يقدمها الإدراك“” أن الخيال هو الملكة التي نتحرر بها من الصورة الأولى …”

ـ التخيل عملية عقلية تعبر عن الانفتاح الفكري، و القدرة على تجاوز الصور الحاضرة و التحرر منها إلى صور جديدة لم تكن موجودة من قبل.
02 ـ الاسترجاع بين التخيل و التذكر:

ـ كل من التخيل و التذكر وظيفتان متداخلتان و مترابطتان ،بحيث أنه لا يمكن الاستغناء عن التذكر فعند ممارسة التخيل و لا يمكن أن نستغني عن بعض من التخيل أثناء ممارسة التذكر،كما أنهما يشتركان في استخدام آلية الاسترجاع للتعامل نع الخبرات الماضية و في التعامل مع معطيات التجربة الإدراكية و ما تقدمه من وقائع إلا أن هذا لا ينفي وجود اختلاف وظيفي بينهما:
ـ الاسترجاع في الذاكرة هو استدعاء للخبرة الشعورية الماضية بأحوالها و عناصرها قصد التكيف مع الوضع الراهن”استرجاع مألوف لما عرفناه”
ـ الاسترجاع في التخيل هو استدعاء يتميز بأنه حر يمكنه محو و إضافة بعض العناصر،أي الاسترجاع في التخيل مفتوح و ممارسا للتغير و التجديد و التخلص من الواقع و هذا ما لا يوجد في الذاكرة.
03 ـ العلاقة بين التخيل و الإدراك:

ـ إدراك موضوع ما يختلف عن تخيله لأن الذات المدركة لا تخترع موضوعاتها بل تدركها على النحو الذي تكون عليه في الحاضر و الواقع المباشر”الآن” و تحكم عليها،أما الذات المتخيلة التخيل فرغم اعتمادها على عناصر الواقع ، إلا أنها تتجاوز الماضي و الحاضر نحو بناء المستقبل أي تشكل صور إبداعية جديدة على النحو الذي ترغب فيهو بكل حرية كالخيال الأدبي و الفني.
04 ـ التخيل من التمثيل إلى الإبداع:

التخيل نوعان:
ـ أ ـ التخيل التمثيلي:”العادي، الوهمي”


ـ
له علاقة مباشرة بالإدراك الحسي وهو يقتصر على استعادة صور الأشياء بعد انطباعها في الذهن، وبعد غياب المدرك الحسي لهذا يعتبر مظهر من مظاهر الذاكرة الحسية. فالرسام مثلا صاحب ذاكرة بصرية قوية
و سماها القدامى بالقوة المصورة ،لأنها تعبر عن رجوع الصور النفسية الماضية إلى ساحة الشعور بصورة تلقائية دون تحديد زمانها و مكانها،و التخيل التمثيلي عام في حياتنا لأننا نعيشه في كل علاقاتنا و تعاملاتنا اليومية بعفوية و كثيرا ما يختلط بمعنى الذاكرة الحسية لذلك قيل”التخيل التمثيلي ذاكرة بلا عرفان”.
ـ ب ـ التخيل الإبداعي:القوة المبدعة”

ـ هو القدرة على التحرر من الصور الماضية،وتأليفها في تركيبات جديدة ليست موجودة على أرض الواقع ،فهو تخيل خصب و إيجابي ،يتميز بالفعالية و القدرة على الابتكار ،و الانفتاح على صور غير متوقعة تنفلت من الواقع.
ـ كالابتكارات الفنية والعلمية، ،وعليه يعتبر التخيل الإبداعي هو التخيل الحقيقي الذي هو أساس الإبداعات والابتكارات العلمية التي تخدم الإنسان.
ـ كتخيل الرسام الذي يرسم صورة خيالية يراها في أعماق نفسه أو تخيل عالم يبدع نظرية جديدة.
ـ و هذا النوع من التخيل يمكن التعبير عنه في كل مجالات الحياة المختلفة العملية و العلمية منها و كل إنسان يمارسه حسب قدراته و مجاله فخيال العالم يختلف عن خيال الفيلسوف، الفنان المهندس….
ـ و كل هذا يجعل التخيل الإبداعي أساسا لصناعة الواقع و التعبير عنه بأشكال إبداعية تعبر عن الانجازات الحضارية في مختلف الميادين فهو قدرة الذات و أثرها في تغيير الواقع و التعامل معه.
ميادين التخيل الإبداعي:

العلم: الفرضية “تفسير أولي لحادثة”التي تتحول إلى تجربة ثم إلى حقيقة علمية
مثل: دافعة أرخميدس،الضوء عند ابن الهيثم،الجراثيم عند باستور ،رياضيات اقليدس،النظرية النسبية عند آينشتاين.تفاحة نيوتن الجاذبية الأرضية.
الفن:الأديب مثل ، النحت ،المسرح ،رسم”بيكاسو،ليوناردو ديفانتشي” موسيقى”بتهوفن،محمد عبد الوهاب”.
الفلسفة : الفلاسفة مثل:جمهورية أفلاطون،نظرية العمران لابن خلدون،حي ابن يقظان لابن الطفيل.
السياسة:رجال السياسة مثل:بناء الكعبة الرسول صلى الله عليه وسلم، عبقرية عمر.
الحياة اليومية:تجاوز الصعوبات العملية كالتاجر الذي يتخيل حاجة الزبون.
05 ـ الصورة الإبداعية وصناعة الواقع:

مثال * اختراع الطائرة كان نتيجة التخيل،لكن ما كان الإنسان ليفكر في الطيران لو لم يجد طيرا يطير بمعنى أنه أحيانا الصور اللاواقعية هي في الحقيقة من صميم الواقع
شروط التخيل الإبداعي:

ـ تنشيط الخيال المبدع و تحفيزه يرتبط بشروط قد ترتد إلى عوامل نفسية “انفعالية و عقلية”،و قد تعود لعوامل موضوعية اجتماعية ترتبط ببيئة الخيال المبدع:
أ ـ عوامل نفسية”ذاتية”:

ـ (يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها )أن الإبداع راجع إلى شروط و عوامل نفسية مرتبطة بالذات فالفرد المبدع هو ذلك الفرد الموهوب و الذي يتميز بقدرات عقلية خارقة”العامل العقلي” و المتمثلة في قوة الذكاء , الذاكرة , التخيل و الانتباه و التجريد و حضور الإرادة فهذه الصفات لا يتميز بها عامة الناس.، كما أن للإبداع “جانب
انفعالي” فالحياة الانفعالية لها تأثير قوي في الإبداع مرتبط بالرغبات و الميول و قد أكد ريبو ذلك في قوله”إن كل صور الإبداع مصحوبة بالعناصر الانفعالية”.
(ـ الكثير من العلماء توصلوا إلى اكتشافاتهم في لحظات معينة تحت تأثير الانفعال النفسي يقول برغسون:”إن الرجال لا يبدعون في جمود الدم،بل يبدعون في جو حماسي وتيار ديناميكي تتلاحم فيه الأفكار.” فيروى عن
بن سينا
أنه كثيرا ما كان يجد حلا لمشكلاته التي استعصت عليه أثناء الاسترخاء،نفس الشأن مع بوانكاري في الرياضيات” الحظ يحالف النفس المهيأة ” ،و
نيوتنالذي اكتشف
قانون الجاذبية
عند سقوط التفاحة،و إن كانت شدة التفكير في الموضوع هي من أرشده إلى ذلك،إذ يقول:إنني لأضع بحثي نصب عيني دائما،و أنتظر حتى يلمح الإشراق الأول علي شيئا فشيئا لينقلب إلى نور جلي.”
ـ دون أن نغفل دور الإرادة و التصميم في الوصول إلى الهدف دون اعتبار للفشل فالعالم
توماس إديسون جرب 1800 تجربة قبل أن يصل إلى اختراع المصباح الكهربائي.
– الإبداع عند الشعراء مثلا لا يتم في كل وقت،إنما في فترات معينة تكون فيه مخيلة الشاعر خصبة ،وعاطفته جياشة،ويروي لنا تاريخ الأدب الإنجليزي أن الشاعر
كولردجغلبه النعاس ذات يوم و هو يطالع ثم أفاق مضطربا تغمره عاطفة قوية وشرع في كتابة قصيدته الشهيرة KUBLA
KHAN
،فلما وصل إلى البيت الرابع و الخمسين كف عن الكتابة،لأن إلهامه توقف عند هذا البيت،نفس الشأن عند الشاعر نزار قباني الذي أبدع قصائد رائعة في تلك اللحظات التي كانت تغمره تلك العواطف القوية والخيال الخصب.

– مدرسة التحليل النفسي على يد سغموند فرويد ترى أن منبع الإبداع تلك الدوافع اللاشعورية المتعلقة بذات الفرد،بمعنى أن الخبرة الشخصية السابقة المؤلمة تتجلى في شكل إبداع فني، و يستدل فرويد بالفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي الذي كان يعاني من عقدة الإبن غير الشرعي،هذا الأمر جعله شديد التعلق بأمه،و بدأت مكبوتا ته تتجسد في شكل رسومات ولوحات. كما أن رائعة مفدي زكريا تقاس بصدق عاطفته وكذلك الخنساء.
ـ وفي ذلك أكد سيغموند فرويد أن تفكير المبدع يستمد مادته من الأوهام والمثل التي لها علاقة بأحلام اليقظة. العمل المبدع هو تعبير عن الرغبات المكبوتة التي تصل إلى مستوى الخيال في شكل حالات لا شعورية )
ـ ب ـ عوامل اجتماعية:
( ـ يذهب أنصار هذا الطرح للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها) أن الإبداع يتوقف على وجود عوامل اجتماعية . فالإنسان كائن اجتماعي لا معنى لإنسانيته إلا ضمن الجماعة،فالمدارس والمعاهد العلمية،والمؤسسات الثقافية و المشاكل المطروحة و نظام الحكم كلها عوامل تصنع المبدع. لان المبدع لا يبدع لنفسه إنما يبدع ما يحتاج إليه المجتمع ،لذلك ترى المدرسة الاجتماعية و على رأسها دور كايم أن الإبداع وليد مختلف القيم و المعايير الاجتماعية و لا يوجد منفصل عن المجتمع و ظروفه يقول دور
كايم:”الإنسان ابن بيئته”و في قوله أيضا:”إن الإبداع يتوقف على درجة نمو و تطور المجتمع” لذلك قيل “الحاجة أم الاختراع” فالمبدع يبدع ما يحتاج إليه مجتمعه.
ـ (ولو عدنا إلى التاريخ مثلا نجد دولة اليابان خرجت مدمرة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية،لكن الحاجة إلى إثبات الوجود وتجاوز العوائق هي التي حركت الإنسان الياباني للإبداع, الحاجة هي التي دفعت الإنسان إلى إبداع وسائل النقل أو الاتصال، وجود العوائق و الحواجز والحاجة الاجتماعية هي التي فرصت الإبداع من أجل تجاوزها،فهل كان
باستور سيكتشف علاج داء الكلب لو لم يكن المجتمع في حاجة إليه، طبعا لا،وحينما اكتشف هذا العلاج اكتشفه من أجل نفسه، طبعا لا،بل من أجل المجتمع،و العالم إدوارد جينيه توصل إلى اكتشافه الطبي نتيجة تفشي داء الجذري الذي فتك بالكثير من أبناء مجتمعه،كما أن الإبداع لا يكون إلا إذا سمح نمط التفكير السائد في المجتمع بذلك،فالطائرة وتقنيات التكنولوجيا المعاصرة لم تكتشف في العصور الوسطى لأن نمط التفكير وقتئذ لم يكن يسمح بذلك.)
ـ ولكن لماذا لا يتم بناء هذه الذكرى وإبداع تلك الصور إلا يشكل تقريبي أو نسبي ؟

تمهيد:

ـ رغم الصورة الإيجابية لكل من الذاكرة و التخيل،إلا أنهما قد يخضعان لمجموعة من العوامل و التأثيرات التي تجعل من عملهما يتم بشكل نسبي و تقريبي و من الصعب الوثوق به فكيف نفسر ذلك؟
أولا/الذاكرة بناء غير مكتمل للماضي:

ـ لا يمكن للذاكرة أن تسترجع الماضي كما هو لأنها تتأثر بالظروف التي يتم فيها الاسترجاع من جهة،و بطابع الإدراك الذي تم تسجيل فيه الحوادث من جهة أخرى مما يجعلها تعبر عن الماضي بصورة مشوهة حسب الميول و الراهنة التي تندرج فيها الذات، و هذا يظهر العجز و القصور في وظيفتها و تفسير ذلك يعود إلى:
01 ـ آلية النسيان:

مفهومه:
ـ النسيان ظاهرة نفسية مرتبطة بالذاكرة،لكنها تعاكسها في الوظيفة،لهذا يعتبر”الوجه السلبي للتذكر”لأنه:
ـ “الفقدان المؤقت”الجزئي” أو النهائي”الكلي” لما حفظته الذاكرة من الخبرات و المهارات المختلفة”، يعرفه محمود يعقوبي”الكف في جميع الأوقات أو في بعضها عن تذكر ما سبقت معرفته إما للانشغال بشيء آخر،و إما بسبب العجز” .
_ فالنسيان ظاهرة ملازمة للإنسان لكنه على قسمين:
01 ـ النسيان العادي”الطبيعي”:
_ و هو نسيان عادي يلازم جميع الناس ،كالنقص في تثبيت أمر ما ،أو قلة الاهتمام أو نتيجة تداخل المواضيع،و هنا يكون النسيان حالة طبيعية عادية تنشط الذاكرة و يكون من شروط سلامتها (هذه الأخيرة لا يمكنها أن تحتفظ بكل دقائق الأمور،ولولا النسيان لما تقدمنا خطوة واحدة في تحصيل المعرفة،وفي هذا يقول
روبر طوكي:”إن الذاكرة الأخاذة والحفاظة يمكنها أن تشكل عائقا للتطور العالي للفكر بسبب التراكم الذي تحدثه.”)

-للإنسان ماض يؤثر في حاضره،ومن منا لا يملك ذكريات مؤلمة
وقاسية،ولولا نعمة النسيان لأصبحت حياتنا جحيما لا يطاق،يقول الدكتور
عائض القرني في كتابه لا تحزن:”تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاره والحزن لمآسيه حمق وجنون،وقتل للإرادة،وتبديد للحياة الحاضرة، إن ملف الماضي عند العقلاء يطوى و لا يروى،يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان لأنه مضى وانتهى،لا الحزن يعيده و لا الهم يصلحه.”
_ 02 _ النسيان المرضي”الغير الطبيعي”
_ النسيان هنا حالة مرضية يتم عن طريق الإصابات المادية التي قد تصاب بها خلايا القشرة الدماغية نتيجة إصابة مباشرة يتعرض إليها الإنسان فيصاب بفقدان كلي أو جزئي لماضيه و هذا يتجسد في أمراض الذاكرة:
أ ـ صعوبة التذكر:ينشأ نتيجة العجز في تثبيت الذكريات ،قد يكون مؤقت نتيجة مرض يصيب الجملة العصبية كما في حالات الحمى الشديدة أو دائم كالشيخوخة(طور التراجع في البناء و بداية الهدم ).
ب ـ فقدان الذاكرة:هو اختفاء الذكريات المحفوظة و العجز عن استرجاعها و قد يكون بصفة كلية بسبب صدمة نفسية قوية أو إصابة في الدماغ، أو بصفة جزئية أي جزء من الذكريات كالأسماء مثلا أو الأماكن.
ج ـ انحراف في الذاكرة:يسمى بالذاكرة الكاذبة فيظن الإنسان أنه يعرف الشيء و هو في الحقيقة لا يعرفه،فيستمر بتذكر خبرات خاطئة و محرفة و هو لا يعلم أنه كذلك.
د ـ الفرط في التذكر:و هو قوة في استدعاء الذكريات بجزئياتها و يسمى كذلك تضخم الذكريات فقد يصل بالفرد إلى عدم القدرة على استيعاب ذكريات جديدة.
ثانيا/التخيل من الحلم إلى الوهم:

ـ قد يستبد التخيل بصاحبه، و ينحرف به إلى عالم الأوهام الكاذبة و يفقد صلته بالواقع بطريقة عفوية و من أشكال و صور هذا التخيل السلبي:
01 ـ أحلام اليقظة: حالة يعايش فيها الإنسان مجموع من الصور التي يتخيلها في يقظته ،تنشأ عن نقص الانتباه،وشرود الذهن،فينسى صاحبها حاضره،لأنه يستبدل الحقيقة و الواقع بالخيال.
(كأن يعيش الإنسان موقفا ما بجسمه فقط،فتندفع الصور الخيالية إلى ساحة الشعور فيشرد الذهن، ويستغرق الإنسان في خواطره.)
02 ـ الوهم و الهلوسة:
ـ اضطرابات نفسية و عصبية تنجم عن فرط الخيال،فالوهم ينشأ عن تمثل أو تصور حسي كاذب،إذا اشتد أثره غلى الذات تحول لمرض عصبي،
مرض نفسي نتيجة فرط الخيال،وهو خطأ في حقيقة الشيء لكن ليس عن طريق خطأ الحواس،بل هو تخيل مرضي،كأن يتوهم الإنسان نفسه حيوانا،أو يتوهم
الحيوانات التي تظهر له فجأة أشباحا.أما الهلوسة تصور صور يحسبها صاحبها حقائق خارجية مع أ،ها غير موجودة في الواقع و أكثر الحواس هلوسة حاستا السمع و البصر،
يتخيل الإنسان المصاب بعض الأشياء على أنها غير موجودة والأشياء غير الموجودة على أنها موجودة،فمثلا يعتقد المصاب بوجود
أصوات غريبة قد سمعها وبأشكال قد رآها وهي غير موجودة،ويكون في الغالب نتيجة الخوف الشديد.
خاتمــة(حل المشكلة الرابعة)
ختاما نستخلص أن إدراكنا للعالم الخارجي يتوقف على الذاكرة والخيال،ولا يمكن للخيال أن يكون دائما مجردا،بل في الكثير من الأحيان الواقع هو الدافع الأساسي للإبداع،والذاكرة والخيال وظيفتان عقليتان يستعملهما الإنسان مع العالم الذي يحيا في كنفه.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *