ملاحظة مهمة : هذه مقالة ملخصة حتى يسهل فهمها و تذكر المعلومات الضرورية الواردة فيها ، يمكنكم التوسع فيها من خلال الشرح اكثر والتحليل وتوظيف الامثلة والاقوال .~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
السؤال : هل اليقين العلمي مطلق ؟هل النتائج في العلوم التجريبية دقيقة ام انها نسبية وقابلة للشك ؟
تفسير الظواهر وفهم الية عملها والتنبؤ بها بعد ذلك؛ هو اسمى ما يبحث عنه العلم ، اذ يعرف بانه مجموع القواعد والمبادئ التي تشرح بعض الظواهر والعلاقة بينها ، اعتمادا على الاستقراء الذي يعتبر مقياسا للدقة ، ولكن بالتعمق في هذا المفهوم اصطدم العلماء والفلاسفة بقضية اثارت خلافا كبيرا ، تمحورت حول مدى مصداقية النتائج التي يقدمها العلم ، فذهب فريق الى القول بانها يقينية ودقيقة، بينما عارضهم طرف اخر واعتبرها نسبية ويعتريها الشك . من هذا المنطلق نطرح مشكلة جوهرية نصوغها في التساؤل القائل :هل اليقين العلمي مطلق ام نسبي ؟
يرى اتباع المدرسة الكلاسيكية ان نتائج العلم دقيقة ويقينية ، بل ويؤكدون انها صادقة صدقا مطلقا مادامت قائمة على مبادئ لا يعتريها الشك حسبهم ، اذ يؤيد هذا الطرح كل من كانط وديكارت ونيوتن وكيبلر ، فالعقلانية هي اكثر المدارس تعصبا لهذا الراي . وقد دعموا موقفهم بعدة ادلة وحجج ، اولها من خلال تبريرهم للاستقراء والقول بمشروعيته ، وبالتالي القول بمصداقية ومشروعية نتائجه العلمية ، وهذا من خلال التاكيد على كون السببية مبدأ عقليا لا يتطرق اليه الشك، بل ان العقل لا يتقبل وجود ظاهرة تنتج من غير سبب ، ولو كنا لا نؤمن بهذا المبدأ لما بحثنا اصلا عن قوانين الطبيعة ولما حاولنا فهم طريقة عملها ولا تفسيرها تفسيرا اليا . تخيل مثلا لو اننا لم نكن نؤمن بالسبببة، فهل كنا سنبحث عن اسباب سقوط المطر ؟ وكذلك الشان بالنسبة لمبدأ الحتمية ، الذي يعتبر امتدادا لمبدأ السببية ، اذ يصر العقلانيون على انه مبدأ مطلق يحكم الطبيعة ولا تحيد عنه ، فنفس الشروط تؤدي دائما وبالضرورة الى نفس النتائج . ولهذا يقول لابلاس ” يجب ان ننظر الى الكون في حالته الراهنية على انه نتيجة لحالته السابقة ” فيؤكد بذلك انه بمعرفة الاسباب سنعرف النتائج ونتنبأ بها ، وهذا هو جوهر العلم .
ثم ان بوانكاري يذهب الى ابعد من هذا فيقول ” ان العلم حتمي بالبداهة ” بمعنى ان ايماننا بالحتمية ايمان بدهي ، وهي مبدأ فطري في العقل لا يشك فيه العقل ، ومن هذا المنطلق نشا العلم كوشيلة لفهم الكون وتفسيره بدقة والوصول بدراساته الى نتائج يقينية ، فاهم ما يثبت اليقين في نتائج العلم هو حتمية حدوثها بطريقة معينة اذا توفرت اسباب وشروط معينة ، وبالتالي فمعرفتنا لتلك الاسباب والشروط يضمن اليقين في التنبأ بها . ويمكن ايضا ان نذكر القاعدة الاولى في فيزياء نيوتن ، والتي مضمونها 🙁 ان اي جسم معزول لا يتعرض لاي قوة خارجية سيكون اما ساكنا واما يسير في حركة مستقيمة ومنتظمة ) ، ولو نتمعن في هته القاعدة لوجدناها منطقية الى حد البداهة، فمادام الجسم لا يتعرض لاي قوة تؤثر فيه فانه سيبقى على طبيعته كما هو اما ساكنا واما متحركا بمسار مستقيم ومنتظم ولا وجود لحالة ثالثة يمكن تخيلها ، وفي المقابل، لا يمكن لعقل انسان ان يتخيل وجود قوة خارجية تطبق على ذلك الجسم دون التاثير عليه ! بمعنى اننا منطقيا وبدهيا نؤمن انه لو طبقت عليه اي قوة خارجية فستؤثر عليه حتما . اضافة الى هذا، فان الرياضيات وبكونها ادق العلوم تتخذ لغة للعلوم التجريبية، وهذا يزيد من مصداقيتها ويقينية نتائج العلم، بل ان العلوم التجريبية مؤخرا قد اصبحت كلها عبارة عن نظريات رياضية يصدقها الواقع تجريبيا، ونذكر في ذلك امثلة عن نظريات اينشتاين ونظريات هيزنبرغ من النسبية الى الكوانتا.
لا يمكن انكار ما جاء به اصحاب هذا الطرح من ادلة ووقائع وحجج تساهم في رسم دعائم موقفهم ، ونعترف ان بعض نتائج العلم مبهرة في دقتها، ولكن القول بانها مطلقة اليقين فيه مبالغة فاضحة ، فلو كان الامر كذلك فلماذا نجد كل نظرية جديدة تهدم سابقتها ؟ ولو كان العلم بهذا اليقين فلماذا نسعى دوما الى تطويره وتصحيحه اذن ؟