الحصة:
درس نظري.

الإشكالية الثانية:
الفكر بين المبدأ و الواقع.

المشكلة الثانية:

انطباق الفكر مع الواقع.

التقويم: شفوي، كتابي، مرحلي، ختامي، ذاتي.

المراجع:
كتاب إشكاليات فلسفية، معاجم فلسفية و تراجم للفلاسفة، وثائق مكتوبة و صور ذات صلة بالدرس.

الكفاءة المستهدفة:التحكم في آليات الفكر المنطقي.

مذكرة درس المنطق المادي

يمكنك مشاهدة مذكرة انطباق الفكر مع نفسه من هنا

يمكنك مشاهدة مذكرة درس المشكلة والاشكالية من هنا

يمكنك مشاهدة باقي المذكرات من هنا

يمكنك مشاهدة مذكرة انطباق الفكر مع نفسه من هنا

الـجــانـب المنهجي

الــــمضــــــاميـــــــــــــن الــمـعــرفـــــية

المجال الإشكالي:

المجال التساؤلي للإشكالية الأولى:

ـ كيف يمكن للفكر الثابت أن ينطبق مع نفسه ؟و كيف يمكنه أن يتطابق مع الواقع؟

المجال التساؤلي للمشكلة الثانية:

ـ كيف ينطبق الفكر مع الواقع؟و كيف يصل إلى هذا الانطباق ،إذا عرفنا أنه قبل الخوض في دراسة الطبيعة، يأخذ بأحكام مسبقة غير مؤكدة علميا ؟كيف يستطيع بهذا الأسلوب المنطقي أن يضمن لنا الوصول إلى الحقيقة؟وهل هذا الانطباق في هذه الحالة ،يمنع الفكر من أن ينطبق مع نفسه أيضا؟

الأسئلة التشخيصية لبداية الدرس.

ـ بعد الثورة الابستمولوجية المعرفية التي وجهت للمنطق الصوري في العصر الحديث كونه صوريا لا يأخذ بعين الاعتبار الواقع ، كان لا بد من تجاوز هذا الانطباق إلى تطابق الفكر مع الواقع وهو ما يعرف بالاستقراء .فما حقيقته ؟ومامنهجه؟وما هدفه؟

1) ماذا نعني بالإستقراء عموما( قديما و حديثا )؟

أسئلة

المؤشر

أجاب عن السؤال
X

أغلبية التلاميذ

البعض

قلة منهم

متى يكون الاستقراء تاما ؟

ــ مثال الاستقراء التام:

مثال:

الحديد و النحاس و الرصاص تتمدد بالحرارة

الحديد و النحاس و الرصاص هي كلها معادن

إذن كل المعادن تتمدد بالحرارة

النحاس والذهب والفضة والرصاص و….تنقل الكهرباء والكلي الذي يشتركون فيه هو المعدن إذن كل معدن ناقل للكهرباء.

متى يكون الاستقراء ناقصا؟

ما ذا نعني بالاستقراء الناقص المعلل؟ما ذا نعني بالاستقراء الناقص غير المعلل؟

ـ الاستقراء كإجراء،أي كممارسة عملية هو ما نقصد به المنهج التجريبي،فما هو تعريفه و ما هي خطواته و ما هي قواعده ؟

ـ من خلال قول برنار نستنتج أن الباحث يلاحظ الحوادث ثم يضع الفرضيات و بعدها يجرب للتحقق من الفرضية و هذا ما يعرف بخطوات المنهج التجريبي فما هي؟

ماذا نقصد بالملاحظة؟

ماذا نقصد بالملاحظة العامية؟

و الملاحظة العلمية؟

مثال:رؤية النار”العالم”تفاعل كيميائي،”العامي”نور دخان دفئ

تفاحة نيوتن.

ما هي الملاحظة البسيطة؟

ما هي الملاحظة المركبة؟

<< إن المنهج التجريبي يعتمد بالترتيب على الإحساس و العقل و التجربة>>

ما هي الخطوة الموالية في المنهج التجريبي؟

ما هي الفرضية؟

ما هي شروطها؟

عن طريق ماذا نتأكد من صحة الفرضية؟

ماذا نقصد بالتجربة؟

فما هي طبيعة هذه الطرق أو القواعد ؟

مثال:قام العالم (لفيريي) بملاحظة كوكب أورانس،فلا حظ انحرافه عن مداره،وعلل هذا الانحراف بالتجاذب بين الكواكب،فأخذ (لفيريي)
يدرس نصيب كل كوكب في التأثير،فدرس المشتري وزحل، غير أنه لاحظ أنه يبقى في النهاية جزء من الاضطراب لا يرجع إليهما،فقرر هناك كوكبا آخر،وعين مكانه،وطلب من مساعديه بملاحظته في المكان المعين،فتم اكتشاف كوكب نبتون.

ما طبيعة الأحكام المسبقة و ما مصادرها؟

ما هو دورها السلبي ؟

ـ ما هي المبادئ التي يسلم بها العالم أثناء قيامه بالتجريب؟

ما هي العناصر الأساسية تشكل مفهوما للحقيقة التي يستهدفها أي بحث علمي؟ و ما أهميتها في المنهج التجريبي؟

مثال :افتراض نيوتن حول وجود جراثيم تسبب الأمراض الذي تحول فيما بعد لحقيقة علمية

ـ كيف يتأتي للفكر أن ينطبق مع نفسه من خلال انطباقه مع الواقع؟

01(تبين أعمال الفلكي (تيكو براهي)
أنه كان ملاحظا جيدا،كان مثابرا على رصد حركة الكواكب، معتمد على البصر وبعض الأدوات البسيطة،مثل المنقلة المدرجة قبل اختراع التلسكوب،إلا أنه افتقر إلى العقلية الرياضية التي يمكن أن تخضع نتائج الملاحظة إلى الاستنباط الرياضي،وهو ما توفر لمعاصره (كبلر) والذي استنبط من تلك الملاحظة النسبة بين الزمن الذي يستغرقه الكوكب ليدور حول الشمس وبين بعده عنها،فقام بحسابها رياضيا متخيلا أن مساراتها دائرية،لكنه عدل عن هذه الفكرة حينما لا حظ تغيرا في مسار المريخ ليتخيل أنها بيضاوية،ووجد أن نتائج عملياته الرياضية تتفق مع الوقائع الحسية)

.
المكتسبات القبلية المفترضة:

– كفاءات وقدرات لغوية للتعبير والتواصل، والكتابة.

– كفاءات معرفية تاريخية مرتبطة بالحضارة اليونانية القديمة، و الحضارة الإسلامية الوسيطة، والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة.

– معارف علمية وتاريخية سابقة.

– التمكن من الكفاءات الفلسفية المكتسبة من دراسة المشكلات الفلسفية المقررة السابقة. – التمكن من الكفاءات الفلسفية المكتسبة من دراسة انطباق الفكر مع نفسه.

مذكرة درس المنطق المادي 

مقدمة (طرح المشكلة)

ـ إن العقل البشري كما يقول العقلانيون جبل على مبادئ فطرية ثابتة ويقينية ونظام دقيق في أحكامه،لكن هذا العقل الثابت لا يمكنه أن يبقى منكفئا ومتقوقعا على نفسه،بل هو متجه إلى معرفة الواقع،أو ما يسمى بالعالم الخارجي، وإذا كان هذا الواقع الذي نعيش فيه لا يعرف الثبات،فكيف يمكن لهذا العقل الثابت أن يدرس الواقع المتغير،بمعنى آخر:كيف يمكن للفكر أن ينطبق مع الواقع ؟ وإذا كانت دراسة الواقع تتطلب شروطا وقواعد فما هي ؟

I/-كيف ينطبق الفكر مع الواقع ؟

ـ مدخل:

ـ يتجلى ذلك في التعرف على طبيعة الاستقراء من الناحية النسقية:مفهومه و أنواعه،و من الناحية الإجرائية:خطواته و قواعده”المنهج التجريبي) .

أولا :طبيعة الاستقراء من الناحية النسقية:

01 ـ مفهوم الاستقراء:

في الفرنسية:Induction/في الإنكليزية: Inductionفي اللاتينية: Inductio.

ـ أ ـ عرفه أرسطوا قديما:أرسطو هو من أول من استعمل كلمة استقراء وقد عرفه:”إقامة قضية عامة ليس عن طريق الاستنباط،وإنما بالالتجاء إلى الأمثلة الجزئية التي يمكن فيها صدق تلك القضية العامة،أو هو البرهنة على أن قضية ما صادقة صدقا كليا بإثبات أنها صادقة في كل حالة جزئية إثباتا تجريبيا.”

و يعرفه ابن تيمية”الاستدلال بالجزئي على الكلي”

ـ ب ـ حديثا: عرفه فرنسيس بيكون * استنتاج قضية كلية من أكثر من قضيتين وبعبارة أخرى: هو استخلاص القواعد العامة من الأحكام الجزئية *

ـ الانتقال من الخاص إلى العام و من الجزئي “قضايا جزئية”إلى الكلي”قوانين عامة”

02 ـ أنواعه:

ـ أ ـ الاستقراء التام:L’Induction complète/:

ـ هو استقراء يقيني لأنه يقوم على استقراء لكل جزئيات موضوعات البحث سواء كانت أجناسا أو أنواعا أو أفرادا.

ـ وبعبارة أخرى هو انتقال الفكر من حكم جزئي على كل فرد من أفراد مجموعة معينة إلى حكم كلي يتناول كل أفراد هذه المجموعة.

( الحكم على الكل لثبوت ذلك الحكم في كل أجزائه) .

مثال:

مثال1: ياسين ناجح،وصلاح الدين ناجح، وسارة ناجحة،وفاطمة ناجحة.

ياسين وصلاح الدين وسارة وفاطمة أبناء الأستاذ يوسف

كل أبناءالأستاذ يوسف ناجحون.

مثال2:قام عالم الفلك كبلر بدراسة حركة كواكب المجموعة الشمسية كل واحد لوحده:(عطارد-الزهرة-المريخ-المشتري-زحل-بلوتن-نبتون-أورانس)فتوصل إلى نتيجة عامة،وهي أن كواكب المجموعة الشمسية تدور حول الشمس بشكل بيضاوي .

– ب – الاستقراء الناقص:L’Induction incomplète:

ـ هو استقراء غير يقيني،لأنه يقوم على تفحص بعض الجزئيات فقط.

ـ معنى ذلك أن الفكر ينتقل من الحكم على بعض الجزئيات إلى حكم كلي يتناول كل النوع أو الجنس الذي يشمل هذه الجزئيات(هو الحكم على الكلي لثبوته في بعض أجزائه).

ـ والقول أنه غير يقيني لا يعني بالضرورة أن نتائجه خاطئة،بل الواقع يشير فقط إلى تعذر ملاحظة كل الجزئيات للوصول إلى قاعدة عامة،وهو نوعان معلل وغير معلل.

ــ المعلّل: و هو الذي يستند فيه إلى علة مشتركة قائمة في كل جزئيات

ــ غير المعلّل: و هو غير يقيني لأن الحكم فيه لا يقوم على أساس من التعليل و إنما فقط على الملاحظة.(الرجوع للكتاب المدرسي في الأمثلة)

مذكرة درس المنطق المادي 

ثانيا:التعرف على الاستقراء من الناحية الإجرائية:

ـ إن ارتقاء الباحثين في شؤون الطبيعة إلى مصف العلماء كان بعد اهتدائهم إلى استخدام المنهج التجريبي أو التجربة بمفهومها المنهجي.

ـ والمنهج التجريبي لم يظهر فجأة بل له جذوره التاريخية القديمة التي لم تكن واضحة المعالم لاختلاطها بالفلسفة و اعتبارها أم العلوم و الخضوع في أغلب الأحيان لمنهجها التأملي الميتافيزيقي .

ـ و لم تتضح الطريقة التجريبية كمبدأ للمعرفة و مقياس أساسي لها إلا بعد حدوث الانفصال بين العلم و الفلسفة و استقلال البحوث العلمية عن الدراسات الفلسفية من حيث الموضوعات و المناهج على يد رواد المنهج التجريبي” فرانسيس بكون”

ـ من هنا بدأت المسيرة العلمية الحديثة التي تهتم بدراسة الظواهر الطبيعية واكتشاف التجربة والابتعاد عن الأحكام الذاتية و المسائل الميتافيزيقية.

1ــ مفهوم المنهج التجريبي :

ـ هو مجموعة من الخطوات التي يتبعها العالم الباحث في دراسته لموضوع ما قصد الوصول إلى حقيقة علمية و المنهج التجريبي يدرس الظواهر القابلة للتجريب لاستخلاص القوانين العلمية التي تساهم في كشف خفايا الطبيعة.

و قد لخصه كلود برنار في قوله”إن الحادث يوحي بالفكرة،و الفكرة تقود للتجربة،و التجربة تحكم بدورها على الفكرة”

02 ـ خطوات المنهج التجريبي:

01 ـ الملاحظة:

ـ في الفرنسية: Observation/في الإنكليزية: Observation

ـ ـ و هي أولى خطوات المنهج التجريبي و نعني بها بصفة عامة :المشاهدة الحسية للظواهر الطبيعية و هي نوعان:

01ـ ملاحظة عادية(العامية):وهي الملاحظة التي يقوم بها الشخص العادي في حياته اليومية وهي مرتبطة بالحياة،غير منظمة،غير هادفة وسطحية.

02ـ ملاحظة علمية:هي الملاحظة المنهجية التي يقوم بها العالم بمعنى مشاهدة الظواهر و مراقبتها رغبة في الكشف عن خصائصها و إدراك عللها و هي تتميز بالدقة و التركيز غاستون باشلار:”الملاحظة العلمية هي الملاحظة الإشكالية.”و هي نوعان:

أ ـ بسيطة:وهي التي تعتمد على الحواس لهذا كان ينظر أرسطو إلى حاسة البصر على أنها “البصر أثر الحواس اكتسابا للمعارف و اكتشافا للفوارق و المعارف”،لكن قد تشكل خطرا على المنهج التجريبي،لأن حواسنا محدودة.

ب ـ مركبة”مسلحة”:لكي يتجاوز العالم نقص الحواس يستخدم أجهزة و آلات حديثة لتقوية ملاحظته يقول كلود برنار”لا يستطيع الباحث أن يلاحظ الحوادث المحيطة به إلا في حدود ضيقة جدا لأن القسم الأعظم منها خارج نطاقه الحسي فلا يقتنع بالملاحظة البسيطة بل يوسع مدى معرفته و يزيد من قوة أعضائه بالآلات الخاصة”

02 ـ الفرضية:

في الفرنسية:Hypothèse/في الإنكليزية: Hypothesis

وهي مشروع قانون ،و هي تفسير مؤقت يضعه العالم للظاهرة موضوع الدراسة ،فهي تدخل من الفكر لاقتراح حلول احتمالية لتفسير الظاهرة يعرفها ماخ:”تفسير مؤقت لوقائع معينة بمعزل عن امتحان الوقائع،حتى إذا ما امتحن في الوقائع من بعد إما فرضا فاشلا يجب العدول عنه،وإما قانونا يفسر مجرى الظواهر.” يقول كلود برنار * الفرض نقطة الانطلاق الضرورية لكل استدلال تجريبي*

شروطها:
نابعة من الملاحظة، قابلة للتجريب، أن لا تتعارض مع حقائق علمية ثابتة، وخالية من التناقض و كذا مفسرة لجميع مكونات الظاهرة أو الظواهر التي تم مشاهدتها، ومنبثقة من الملاحظة العلمية التي سبقتها،و يصاغ صياغة واضحة.

03 ـ التجربة:

ـ هي إحداث الظاهرة وفق شروط و ظروف اصطناعية يصطنعها العالم، هو إحداث واقعة في المختبر.

يقول كوفي ” الملاحظ يصغي إلى الطبيعة و المجرب يسألها و يرغمها على الإجابة”، و يقول:كلودبرنار:”إن الملاحظة هي جواب الطبيعة الذي تجود به دون سؤال،أما التجريب فهو استنطاق الطبيعة.”

لكن يجب أن تتوفر شروط حتى يكون التجريب صحيحا:(أن يكون موضوعيا-عزل الحوادث-التكرار-استخدام الأجهزة والوسائل المختلفة.

ـ التجريب هو المرحلة الحاسمة التي تمر بها الفرضية فهو الذي يحدد مصيرها فإما يحولها إلى قانون أو يبطلها.

04 ـ القانون:

ـ هو تلك الصيغة العددية و الرمزية التي تعبر عن علاقات ثابتة بين ظواهر الأشياء.

مذكرة درس المنطق المادي 

03 ـ قواعد المنهج التجريبي:

فضلا عن الخطوات التي يتبعها الاستقراء، وهي الملاحظة والفرضية والتجريب قصد القوانين العلمية،فإن هناك طرقا أو قواعد اشترطها بعض المهتمين بالمنهج لتبرير وصول الاستقراء إلى تلك القوانين حيث يرى (جون ستوارت مل) أنها أربع:

أ ـ طريقة التلازم في الحضور:

ـ يقوم على أساس التلازم بين العلة والمعلول في الوجود،فإذا وجدت العلة وجد المعلول بالضرورة.

مثال:الملاحظة تؤكد أن الحرارة المرتفعة تؤدي إلى غليان الماء وتبخره فالعلاقة بين الحرارة والتبخر هي علاقة تلازم في الحضور.

ب ـ طريقة التلازم في الغياب:

ـ تقوم على أساس التلازم بين العلة والمعلول في الغياب(عدم الوجود)،فإذا غابت العلة غاب المعلول بالضرورة.

مثال:إذا غاب الأوكسجين غاب التنفس،فهناك علاقة تلازم في الغياب.

ـ كلما عاب التنفس غاب سماع الأصوات لأنه علة سماع الأصوات.

ج ـ طريقة التلازم في التغير:

ـ كل تغير يطرأ على العلة لا بد من أن يجعل مقابل ذلك تغييرا يطرأ على المعلول.

مثال:كل زيادة في الضغط على الغاز هو علة في تقليص حجمه،وكل نقص في الضغط على الغاز هو علة في ازدياد حجمه.

د ـ طريقة البواقي:

ـ يعني أن لكل شيء علته،و لا يمكن أن تكون علة واحدة لشيئين في الوقت نفسه.(الباقي من العلل للباقي من المعلولات)

ملاحظة:

تعرف هذه الطرق بطرق جون ستوارت مل و قد سبقه إليها فرانسيس بكون و من قبلهما العالم المسلم الحسن ابن هيثم و جابر ابن حيان.

مذكرة درس المنطق المادي 

II/-وكيف يصل إلى هذا الإنطباق إذا كان يأخذ بأحكام مسبقة غير مؤكدة علميا ؟

أولا:يفترض أن يحصل الإنطباق بدون سوابق أحكام:

01 ـ طبيعة سوابق الأحكام و مصدرها:

ـ سوابق الأحكام Préjuges،هي جملة التصورات التي يكونها العقل دون سند من الخبرة، أحيانا تكون متوارثة من جيل إلى جيل بفعل توارث الثقافات والمعتقدات،أو التفسير الميتافيزيقي والغيبي، أو العرف السائد.

02 ـ دورها السلبي في إعاقة البحث العلمي:

ـ هذه السوابق القبلية تحول دون ملاحظة الظاهرة على نحو موضوعي،وهي تهدد منهج البحث بالانحراف عن مقصده ،و تعيق البحث العلمي ،و أحيانا إجهاضه قبل تطبيقه، إذ قد يسارع الباحث إلى إصدار أحكام لا تبررها مقدمات، و ينزع إلى التسليم بأفكار لمجرد أنها توافق هواه أو مصلحته.

ثانيا:ومع ذلك يجب أن يسلم الفكر بمبادئ تسبق التجربة:

ـ المجرب قبل قيامه بالتجربة قصد استنطاق الطبيعة أو الظاهرة يؤمن و يسلم بأفكار و مبادئ و هي:

01 – مبدأ السببية:Causalité:

ـ يعرفها جميل صليبا في معجمه: هي العلاقة بين السبب و المسبب،ومبدأ السببية أحد مبادئ العقل،ويعبرون عنه بقولهم: لكل ظاهرة سبب، فما من شيء إلا كان لوجوده سبب، والسبب عند الفلاسفة المسلمين ينحصر في جوهر واحد هو الله مسبب الأسباب.

ـ من أهم أسس الاستقراء مفاده لكل ظاهرة سبب و علة،و هو يمثل مصادرة أولية للعقل مفادها أن كل ما يقع في الطبيعة يمكن تفكيكه لحوادث التي بدورها يمكن جمعها أزواجا و كل زوج ترتبطين برابطة العلة و المعلول.

2- مبدأ اطراد الظواهر:

ـ وهو تتابع منظم لا يخضع إلى أية فوضى، هذا المبدأ توصل إليه العقل من خلال إدراك الارتباط المتتابع والمتكرر بين ظاهرة و أخرى، و أن في الطبيعة اتصالا،و أنها تخضع لظروف معينة تتكرر في أحوال مختلفة في أحوال عدة و مختلفة.

مثال: نرى الشمس تشرق كل صباح في زمان معين و مكان محدد،وتغرب أيضا في زمان و مكان محددين.تعاقب الليل و النهار.

3- مبدأ الحتمية:Déterminisme:

توافر نفس الأسباب يؤدي إلى نفس النتائج،فالظواهر يتحتم وقوعها متى توافرت أسبابها، و يستحيل أن تقع في غياب هذه الأسباب،لأن الكون يخضع لنظام ثابت، يقول لابلاس”يجب علينا أن ننظر إلى الحالة الراهنة للكون على أنها معلولة لحالته السابقة و علة لحالته الاحقة”

مثال:فإذا ثار بركان وألقى بحممه، دلت هذه الظاهرة على توافر أسباب أحدثتها، وهي أسباب طبيعية، فالقول بالمصادفة و العشوائية و اللانظام لا حقيقة له.

III/-كيف يستطيع هذا الأسلوب المنطقي أن يضمن لنا الوصول إلى الحقيقة ؟

ـ هناك أربعة عناصر أساسية تشكل مفهوما للحقيقة التي يستهدفها أي بحث علمي و قد تشكل الإطار المنطقي الضروري للفكر و هو مقبل على دراية الظواهر الطبيعية و هي :

أولا:الوصول إلى الحقيقة بضمانة من عقلنه الظواهر:

01 – الإفتراض كمشروع قانون:

ـ يعتبر من الخطوات الإجرائية الأساسية للنسق الاستقرائي،لأنه يمثل تفسيرا عقليا للحوادث و ضرورة منهجية يتخذها العالم لبلوغ أهداف معينة،وتنسب إلى نيوتن مقولة مشهورة:”إنني لا أكون فروضا.” ليس معنى هذا إنكار دور الفرضية في المنهج التجريبي، بل هو تنبه لخطورة المبالغة في الإفتراص التي قد تغرقنا أحيانا في متاهات التفكير الميتافيزيقي، فإنكار نيوتن للافتراض ليس موجها نحو كل أنواعه، و إنما لتلك التي لا سبيل إلى تحقيقها، أما إذا كانت قابلة للتجربة وغير متعارضة مع قوانين الطبيعة فهي ضرورية.

02- القانون العلمي:

ـ يعرفه محمد يعقوبي:”هو التعبير عن العلاقات الضرورية الموجودة بين الظواهر تعبير رياضيا كميا”،و هو حوصلة النتائج التي أثبتها المنهج التجريبي عبر خطواته و ذلك بعد إخضاع الفرضية للتحقق التجريبي .

ـ قد تكون العلاقة تركيبية، وقد تكون علاقة تلازم (الضغط ،الغاز، الحجم) وقد تكون علاقة ثابتة(سرعة الضوء).

ثانيا: الوصول إليها بضمانة من انتظام الظواهر:

1- قابلية التعميم:

ـ تعميم القوانين الخاصة بظاهرة على كل الظواهر المشابهة لها والتعميم يتعدى حدود التجربة الواحدة المنفردة في المكان إلى كل تجربة في أي مكان ضمن الشروط المتماثلة،فقانون سقوط الأجسام ينطبق على كل الأجسام مهما اختلفت البلدان و التضاريس و أنواع المناخ، لأن شرط الجاذبية واحد في كل هذه الوضعيات المكانية.

2-قابلية التنبؤ:

ـ و يقصد به توقع حدوث الظاهرة في المستقبل،و هو مشروع و ضروري في البحث العلمي.

فالإيمان بمبدأ الحتمية يدفعنا إلى إمكانية توقع الظواهر وفق شروطها المعروفة مسبقا، والتنبؤ بها في المستقبل قبل أن تقع مثلما هو الحال في الأرصاد الجوية و ظاهرة البراكين.

( لكن قابلية التنبؤ بالأشياء في نطاق الزمان لا تعبر عن معنى مطلق لأن ما توصل إليه علماء الفيزياء المعاصرون في دراستهم للذرة أثبت أن هناك مجالات كبيرة للاحتمال وعدم الخضوع للقانون أو إمكانية التنبؤ و هو ما أطلق عليه باللاحتمية).

ـ وهل الانطباق مع الواقع في هذه الحالة يمنع الفكر من الانطباق مع نفسه أيضا؟

ـ يذهب المناطقة و العلماء على حد سواء إلى أن العلم الحديث أحرز تقدما كبيرا بفضل استخدامه للمنهج التجريبي و ارتكازه على النسق الرياضي من جهة أخرى.

أولا:النسق الرياضي يترجم انطباقه مع نفسه ومع الواقع:

ـ المنهج التجريبي حاليا يجمع بين منهج الملاحظة ومنهج الرياضيات و بالتالي نتائجه تتضمن نسبة من اليقين العقلي و نسبة من الاحتمال الواقعي.

ـ الرياضيات تمد العلم التجريبي بلغة دقيقة،حتى أن العلوم حاليا لا يمكن أن تستغني عن الرياضيات،يقول غاليلي:”إن الطبيعة كتاب مكتوب بلغة رياضية لا يفهمه إلا من كان رياضيا”و يقول”الطبيعة كتبت قوانينها بلغة رياضية”

ثانيا:النسق المنطقي يضمن انطباقه مع نفسه ومع الواقع:

ـ مبادئ العقل بصورة عامة،ومبدأ الهوية بصورة خاصة نجده مشتركا بين المنهج الرياضي والمنهج الاستقرائي،فالرياضي مثلا في مجال عمل استدلالي يؤمن بمبدأ الهوية،ونفس الحال عند الفيزيائي أو البيولوجي الذي يرمز إلى ظواهر معينة للتعبير عن حادثة،فلا يمكن أن يقبل بتغيير مصطلحاته أو رموزه التي اعتمدها.

الخاتمة (حل المشكلة الثانية و الإشكالية الثانية)

ـ إن التفكير المنطقي في صورته العامة سواء كان صوريا أو استقرائيا فإن هدفه هو الوصول إلى الحقيقة وإبداع أحسن السبل والوسائل لبلوغ اليقين والابتعاد عن الشك،لذلك نجد الأبحاث المنطقية المعاصرة تحاول المقاربة بين النسق العقلي والنسق الواقعي وتجاوز منطق الرفض والإقصاء والإلغاء.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *