الإشكالية الأولى: في إدراك العالم الخارجي.

الشعبة: 03 آداب وفلسفة.

المشكلة الأولى: في الإحساس و الإدراك.
التقويم: شفوي، كتابي، مرحلي، ختامي، ذاتي.

المراجع: كتاب إشكاليات فلسفية،معاجم فلسفية و تراجم للفلاسفة، وثائق مكتوبة و صور ذات صلة بالدرس.

الكفاءة المستهدفة: إدراك العلاقة الجدلية بين الوظائف الذهنية العليا والتمييز بينها.

الـجــانـب المنهجيالــــمضــــــاميـــــــــــــن الــمـعــرفـــــية
 
المجال الإشكالي:

المجال التساؤلي للإشكالية الأولى:

ـ عندما نقول بأن مصدر المعرفة الحسية هو الحواس،فهل نعني بدلك أنه ليس مسبوقا بأي نشاط دهني؟ أليس لمكتسباتها اللغوية و الفكرية ،و لمكبوتاتنا النفسية دخل في تحديد مدركاتنا؟ و هل يعني هدا أننا لا نستطيع أن ننظر إلى العالم الخارجي ،كما هو في حقيقته :فقد نستحضره حسب إرادتنا،و نؤوله حسب عاداتنا،و أهوائنا و حياتنا الانفعالية ،و قد نستبدله بعوالم أخرى نبدعها بتخيلاتنا؟
المجال التساؤلي للمشكلة الأولى:

ـ هل علاقتنا بالعالم الخارجي تتم عن طريق الإحساس أم الإدراك؟و هل كل معرفة ينطوي عليها الإدراك مصدرها الإحساس؟و إدا كان الإحساس عملية أولية للاتصال بالعالم الخارجي،فهل معنى دلك أنه خال من أي نشاط دهني؟
الأسئلة التشخيصية لبداية الدرس.

ـ أنت جالس وراء مكتبك فيدق الباب فماذا يحدث؟
ـ دق الباب ـ اهتزازات في الجوـ ينقلها الأثيرـ الأذن ـ تأثر على الأعصاب السمعية ـ تنقله للمراكز الدماغيةـ الإحساس.و عليه تذوق اللسان للأذواق و غيرها كلها إحساسات، و عليه فالحواس نوافذ تطل بها الذات على العالم الخارجي.
وعليه ما مفهوم الإحساس؟
ـ من خلال مفهوم الإحساس يتبين للإحساس خصائص ما هي؟

 
أسئلة

المؤشر

أجاب عن السؤال X

أغلبية التلاميذ

البعض

قلة منهم

ـ هل كل المؤثرات قادرة على إثارة كل الأعضاء؟
ما هي وظائف الإحساس باعتباره عملية تكيف؟
لكن هذا التكيف ليس واحدا و متساويا عند كل الكائنات الحية فهو يختلف باختلاف قدراتها و حاجياتها لماذا؟
لأنه أداة معرفة عند الإنسان
ما مفهوم الإدراك؟

أسمع صوت معين ـ إحساس و إدراكي أنه صوت سيارة أو صديق يناديني إدراك.
الإدراك يخضع لعدة عوامل توجهه،فما هي؟
أطلقت عليها مدرسة الجشتالت عوامل تنظيم المجال الإدراكي
هل هناك عوامل أخرى تدخل في الإدراك؟ ما هي؟

ما هي الخلاصة التي تصل إليها؟

ـ
ما هو مصدر معارفنا؟الإحساس أم الإدراك؟
ما هو الموقف الذي قال به المذهب التجريبي حول أساس المعرفة
هل حقا الإحساس الوسيلة الوحيدة لإدراكنا للعالم الخارجي؟
ما هو الموقف الذي قال به المذهب العقلي حول إدراك العالم الخارجي؟
ـ
هل يمكن للعقل إدراك الأشياء في غنى عن الإحساس؟
هل حقا هناك تمييز بين الإحساس و الإدراك كما قال بذلك كلا المذهبين؟
ما هي الخلاصة التي نصل إليها؟
ـ من خلال التفرقة بين الإحساس و الإدراك لدى ع.ن.ق تبقى مشكلة الإحساس و الإدراك قائمة فهل من نظرة جديدة لطبيعة هذه العلاقة لتجاوز النظرة التقليدية؟
ـ ماذا تعرف عن المدرسة الجشتالتية”ع ن الصورة،الشكل،الصيغة”؟
(الجشتالت)كلمة ألمانية و معناها الصورة و الشكل و يعبر الجشتالت عن اتجاه في ع.ن.ح”نظرية نفسية” يمثلها كل من كوهلر،كوفكا،فيرتهيمر.
هل قولنا:فلان عنده قدر من المال تساوي قولنا إن الله قدر مصائر العباد ؟
ما هو سبب الاختلاف؟
.هل العوامل الموضوعية لوحدها كافية في عملية الإدراك؟
ـ ماذا تعرف عن المدرسة الظواهرية؟
علم الظواهر و هي دراسة وصفية لمجموع الظواهر كما هي في الزمان و المكان،و إذا أطلق على دراسة الظواهر النفسية أو الأحوال الشعورية دل على وصف المعطيات النفسية كما تبدوا لنا بالفعل.”هوسرل هو واضع علم الظواهر في القرن 20م.
ـ الشيء الذي يبدوا لي جميلا في حالة الفرح ليس كذلك في حالة الحزن.
هل الإدراك يرجع للشعور فقط؟
من خلال معرفتك مواقف كل من ع ن ق وع ن ح ما هي الخلاصة التي خرجت بها؟
المكتسبات القبلية المفترضة:

– كفاءات وقدرات لغوية للتعبير والتواصل، والكتابة.
– كفاءات معرفية تاريخية مرتبطة بالحضارة اليونانية القديمة، والحضارة الإسلامية الوسيطة، والحضارة الغربية الحديثة والمعاصرة.
– معارف علمية وتاريخية سابقة.
– التمكن من الكفاءات الفلسفية المكتسبة من دراسة المشكلات الفلسفية المقررة السابقة.

مقدمة : طرح المشكلة

ـ حياة الإنسان عبارة عن تفاعل و اتصال مستمر مع محيطه و هذا يتطلب منه التكيف معه و حماية نفسه من الأخطار ، و لما كانت الذات الإنسانية كل مركب و معقد ،فإنها تستخدم عدة وظائف و عمليات لذلك التي من أهمها الإحساس و الإدراك و عليه نتساءل:
ـ كيف نفهم الإحساس و الإدراك ؟و هل في إدراكنا للعالم الخارجي نعتمد على الإحساس أم الإدراك؟ و ما طبيعة العلاقة بينهما؟

01 ـ الإحساس كانفعال و تكيف مع العالم الخارجي:

أ ـ مفهوم الإحساس:

ـ هو عملية فيزيولوجية بسيطة ناتجة عن تأثر إحدى حواسنا بمنبهات خارجية بهدف التكيف مع العالم الخارجي ،و هو في نظر علم النفس التجريبي حادثة أولية بسيطة، و الحواس هي الأداة الوحيدة التي تربط الذات بالعالم الخارجي لتحدث المعرفة.
ـ يعرفه محمود يعقوبي في المعجم الفلسفي”ظاهرة نفسية عضوية تتولد عن تأثر أحد أعضاء الحس بحيث يتغير مضمون شعوره و اتجاه سلوكه”
ـ و يعرفه بيرون”إن الإحساسات رموز بيولوجية للقوى الخارجية التي تؤثر على العضوية”.
ب ـ خصائص الإجساس:

ـ عملية أولية بسيطة و مباشرة: لأنه لا يحتاج إلى وسائط بين المؤثر “المنبه” و العضوية “أعضاء الحس” مثال ذلك لا توجد واسطة بين الصوت و انفعال حاسة الأذن.
ـ عملية آلية مركبة: لأنه يمر بثلاث مراحل و هي :
المرحلة الفيزيائية: و تتمثل في تأثير المنبه على الحاسة مثال تأثير اللون على البصر.
المرحلة الفيزيولوجية: وظيفة الأعصاب التي تنقل الانطباع الحسي للمراكز العصبية.
المرحلة النفسية: تؤدي إلى تكوين عملية الإحساس من خلال الاستجابة و رد الفعل أي القيام بسلوك معين.
ـ التنوع: الإحساس يتصف بالتنوع لتنوع الحواس و تنوع المنبهات الخاصة بكل حاسة.
ج ـ قوانينه:

للإحساس قوانين تتمثل في،
قانون العتبة المطلقة :و هي المقدار الأدنى من الإثارة لحدوث إحساس ما، أي بلوغ المؤثرات درجة معينة لحدوث الإحساس.
مثال : الأذن لا تحس و لا تسجل الأصوات التي تكون أقل من 20 ذبذبة في الثانية.
قانون العتبة الفارقة: و هو الإحساس بالفرق بين شدة المثير الأول و الثاني”الإحساس بالزيادة و النقصان”إذ لا يحس بالزيادة إلا إذا كانت شدة المثير 2 مضاعفة .
مثال: حمل 100غ لا تحس بالفرق إلا إذا أضيف 5 غ فما فوق”د يعقوبي”
د ـ وظائفه: للإحساس وظيفتين تتمثلان في:
وظيفة حيوية: باعتباره أداة و تأقلم تكيف ضرورية بين الكائن الحي و المحيط الخارجي اعتمادا على الحواس كالطفل في سنواته الأولى.
وظيفة معرفية: يعتبر الإحساس وسيلة للمعرفة لارتباطه بنشاطات انفعالية و عقلية لدى الإنسان ،فهو يقدم المادة الخام التي لا تحصل معرفة و إدراك الأشياء إلا بها.
ـ الإحساس جهاز حيوي للتكيف مع المحيط و أداة فاعلة للمعرفة و الإدراك لكن المعطيات الحسية تحتاج لتفسير منطقي محكم أي لعملية ثانية و هي الإدراك .
02 ـ الإدراك كعملية عقلية و معرفية و علاقته بالواقع:

أـ مفهوم الإدراك:

لغة: أدرك الشيء أي لحقه، ووصل إليه، و أدرك المسألة علمها.
إصطلاحا: هو عملية عقلية معقدة و مركبة يتم فيها ترجمة و تأويل و تفسير المؤثرات الحسية التي تنقلها الحواس إلى المراكز العصبية، وهي عملية معقدة تبدأ بالإحساس ثم تتدخل فيها عدة ملكات عقلية عليا منها الذاكرة و التخيل و الذكاء…الخ.
يعرفه لالاند” الإدراك هو الفعل الذي ينظم به الفرد إحساساته و يفسرها و يكملها بصور و ذكريات…”
ب ـ الإدراك معرفة:

.الإدراك عملية عقلية عليا و في نفس الوقت يؤدي وظيفة في المعرفة نعرف بواسطتها العالم الخارجي من خلال تفسير المؤثرات و معرفة الأشياء و التعرف على طبيعتها و صفاتها فأنا أعرف أن هذا الشيء أمامي هو كتاب و أن له مميزات خاصة لكني لكن لا يقتصر هذا الإدراك على مجرد الصفات الحسية بل على ما يحتويه من كتابة و رموز و كيفية استخدامه و فوائده.
ـ و الإدراك يمر بعدة أطوار باعتباره عملية عقلية و وظيفة معرفية حيث يبدأ من:
ـ تحليل الشيء المدرك و تفكيكه إلى أجزاء أساسية لمعرفة علاقات
ـ القيام بإجراء مقارنات بين خصائص الشيء و صفاته من أجل تمييزه عن غيره.
ـ إجراء عملية تركيب للشيء المدرك و تأليف أجزائه لتكوين صورة لها معنى.
ج ـ عوامل الإدراك وأخطائه:

ـ هناك عوامل متعلقة بالموضوع المدرك و أخرى بالذات المدركة و عليه فهي تنقسم إلى:
01 ـ العوامل الموضوعية الخارجية:
ـ و هي العوامل المرتبطة بالموضوعات الإدراكية و المستقلة عن الذات المدركة و من بين أهم هذه العوامل:
01ـ الشكل و الأرضية :

ـ حيث ندرك الأشكال أولا ثم الأرضية لأنه أكثر وضوح وأسهل للإدراك من الأرضية مثال:وردة مرسومة على القماش تكون أوضح من أرضيتها.
عامل التقارب:

ـ الأشياء المتقاربة في الزمان أو المكان يسهل إدراكها كصيغة متكاملة،مثال:أسنان المشط ندركها ككل و ليس سنة سنة،و كراسي الحجرة.
عامل التشابه:

ـ نحن ندرك الأشياء المتشابهة في الشكل أو الحجم أو اللون كوحدة منظمة.
عامل الاتصال:.

فالأشياء المتصلة ببعضها التي تربط بينها خطوط و علاقات تدرك كصيغ متكاملة.
02 ـ العوامل الداخلية الذاتية:

و نقصد بها مجموع العوامل التي ترجع إلى الذات المدركة، ومن أهم هذه العوامل:
عامل الخبرة و الألفة:

الإنسان يدرك الأشياء التي سبق و تعرف عليها و هذا أسهل من الأشياء التي لم تمر بخبرته مثال تعرفك على برتقالة دون لمسها و تذوقها لأنها مرت بخبرتك.
عامل التوقع:

فنحن ندرك الأشياء بطريقة أسهل إذا كنا نتوقع حدوث الشيء أو نهتم بما يكون عليه.
عامل الانتباه:
حيث يساعد على تركيز العقل موضوع واحد أو فكرة معينة قصد إدراكها و التعرف عليها و تمييزها فكلما زاد الاهتمام بالشيء المدرك يسهل إدراكه.
الحالة الجسمية و النفسية للذات المدركة:

حيث يتأثر إدراكنا للأشياء بحالتنا النفسية و الجسمية وقت الإدراك،فحالة الهدوء يكون فيها المرء أكثر إدراك من حالة الغضب مثال شخص جالس في حديقة.
العوامل الثقافية و الاجتماعية و العقائدية للذات المدركة:

فثقافة الشخص و معتقداته تؤثر قسما يدركه من موضوعات ،و في أحكامه عليها (استمتاع الرمان بدماء العبيد في مواجهتهم للأسود، الأسبان مصارعة الثيران، و كذلك يتأثر بالنزعات و الميول و الاتجاهات للذات المدركة.
ـوعليه نستنتج أن العملية الإدراكية تتأثر بعوامل متعددة منها ما هو خارجي متعلق بالمجال الإدراكي،و منها ما هو داخلي متعلق بالذات المدركة مما يجعل معارفنا الإدراكية نسبية و متغيرة.
خلاصة:

ـ نخلص إلى أن الإحساس منفصل عن الإدراك و متقدم عليه زمنيا و أن الإحساسات الأولية هي التي تتحول إلى إدراك هذه الأخيرة التي تتم بفضل عوامل موضوعية وأخرى ذاتية.
العلاقة بين الإحساس و الإدراك.

03 ـ ما هو أساس المعرفة : الإحساس أم الإدراك؟ (درس مقالي)

ـ إن البحث عن أساس المعرفة و طبيعتها و مصدرها هو بحث له تاريخ قديم في نظرية المعرفة ،اتسم باحتدام الجدل والخلاف بين العقليين و التجريبيين حول أساس المعرفة و مصدرها فلما كان الإحساس عملية بسيطة و أولية تقدم لنا المعطيات الحسية وتتصل بملكة العقل الذي يؤولها و يحولها إلى إدراك لذا كان لابد من تحديد أساس المعرفة و وسيلة إدراك العالم الخارجي و عليه يطرح الإشكال:
ـ هل علاقتنا بالعالم الخارجي تتم بواسطة الإحساس أم الإدراك؟

ـ 01 ـ إدراكنا للعالم الخارجي يتم عن طريق الإحساس:

ـ يذهب أصحاب المذهب التجريبي إلى اعتبار أن الإحساس و التجربة الحسية مقياس المعرفة و مصدرها الأول، و أن كل ما يحصل لدينا من معارف و مكتسبات يرد إلى العالم الحسي الخارجي، و من هنا ينكر التجريبيين القول بمبادئ فطرية في العقل ، لأن كل المعارف عندهم تكتسب بالتجربة الحسية،و لهذا فكل المدركات العقلية ا هي في الحقيقة إلا خبرات مكتسبة تحصلنا عليها شيئا فشيئا نتيجة انطباعات و صور المحسوسات لدينا، و ما العقل الإدراكي إلا مستودع لهذه الانطباعات الحسية،و أداة منظمة لها،لأنه لا يوجد معرفة في الإدراك ما لم تكن من قبل في الحس،لذلك من فقد حاسة من الحواس فقد علما من العلوم.
ـ و من رواد هذا المذهب نجد قديما الرواقيون اللذين أنكروا نفوذ العقل و أرجعوا المعرفة إلى الخبرة الحسية،
ـ و نجد أيضا أبيقور في قوله”إن المعنى
الكلي يحدث نتيجة لتكرار الإحساس”،
ـ و إلى نفس الرأي يذهب الفيلسوف الانجليزي جون لوك حيث رفض وجود شيء في العقل لم يوجد من قبل في التجربة الحسية و تقتصر وظيفة العقل عنده في تسجيل و التقاط كل ما يأتينا عن طريق الحواس يقول”لو سألت الإنسان متى بدأ يعرف؟لأجابك متى بدأ
يحس”و في قوله”إن إدراكنا للموضوعات الحسية يتم بناءا على الصفات
الحسية الموجودة في حواسنا” و في قوله”الموضوع المدرك و الحواس هما النافذتان اللتان ينفذ منهما الضوء إلى هذه الغرفة المظلمة(العقل)”.
ـ حتى القضايا الرياضية عند جون ستوارت مل تعميمات تجريبية فالظواهر الطبيعية توحي بالأشكال الهندسية و الأشياء بالأعداد.
ـ وإلى نفس الرأي يذهب هيوم في قوله “الإدراك ما هو إلا انطباع المحسوسات نتيجة تأثر الحواس..”
ـ و لقد دعم علم النفس هذا الموقف ببعض التجارب منها أن الطفل لا يدرك فكرة العدد إلا إذا قدمناها له على شكل أشياء معدودة.
و يقول ديدروا ” حواسنا جسرنا نحو الأشياء” .
ـ و منه نخلص إلى أن رواد هذا المذهب يرون أن في غياب الانطباعات الحسية بطلان للمعرفة و على هذا يكون الإحساس هو مصدر المعرفة و المتحكم في المدركات و الموجه لها و من ثم التمييز بين الإحساس و الإدراك و جعل الإحساس أعلى مرتبة من الإدراك.
مناقشة:

ـ لكن رغم التعليلات و الحجج التي قدمها التجريبيون لتبرير موقفهم على أن الحواس مصدر المعرفة ،فإن علماء النفس من جهة أخرى لا يقبلون جعل الإدراك مجرد ترابط للإحساسات في الذهن لأنه مسألة أخرى لها طابعها الخاص.
ـ المعرفة الحسية نسبية و تفيد الشك و الاحتمال لأن الحواس قد تخدع الإنسان و تجعله يقع في أخطاء(اللون الأبيض،العصا)
ـ كما أنه قد تكون الحواس سليمة لكن عملية الإدراك منعدمة لوجود خلل في القدرات العقلية(الضعف العقلي،البلاهة)و بالتالي ليس الإدراك مجرد ارتباط للإحساسات .
ـ الحواس لا نتصور بها الحدود الكلية المجردة كمفهوم إنسان مثلا أو كتاب الذي يتصوره العقل خالصا من صفاته الثانوية .
ـ 02 ـ إدراكنا للعالم الخارجي يتم عن طريق الإدراك:

ـ يرى أصحاب المذهب العقلي أن الإدراك مرتبط بالعقل و هو من فعالياته العليا لذلك فهو أساس معرفة الأشياء و الموضوعات،ومصدر إضفاء المعاني و الصفات على الأشياء و تفسيرها، أما الإحساس فهو مجرد تعبيرات ذاتية مرتبطة بالبدن و كثيرا ما تكون خاطئة و تخدعنا.
ـ كما يؤكد ذلك “ديكارت” الذي يرى أن المعرفة الحسية خاطئة في قوله ” الحواس تخدعنا” .
ـ كما أن الإحساس جزئي مرتبط بحالة أو موقف معين يبقى أسير التجربة الحسية الذاتية لذلك يقتصر دوره على تنبيه نشاطاتنا العقلية بطريقة غير مباشرة.
ـ كما أن الإحساس وحده لا يقدم معرفة مجردة و أنه أدنى قيمة من الإدراك الذي يمثل أساس المعرفة الحقة، لأن الإحساس أداة تكيف عامة لدي كل الكائنات الحية و ما يقدمه من معرفة تكون احتمالية ظنية عكس الإدراك الذي يمثل فعالية العقل الإيجابية التي تبحث في ماهية الأشياء و معانيها المجردة، و إطلاق الأحكام اليقينية التي تعرف بها.
ـ و هذا ما أشار إليه ديكارت بقوله حين أنظر من النافذة أشاهد رجال يسيرون في الشارع مع أنني لا أرى بالعين المجردة سوى قبعات و معاطف متحركة و لكني رغم ذلك أحكم أنهم أناس و وصل للنتيجة التالية “أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة حكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني”
ـ و إلى نفس الرأي يذهب باركلي في قوله “وجود الشيء قائم في إدراكي أنا له” .
ـ أما آلان فيوضح ذلك بالمثال الآتي إدراكنا للمكعب ،فقد أرى شيئا يشبه الشكل المرسوم إلى الجانب و أحكم عليه بدون تردد بأنه مكعب ، و هذا الحكم أصدره مع العلم أنني لا أرى إلا ثلاثة سطوح في حين أن المكعب له ستة سطوح مربعة متساوية لا أراها لكني أحكم بوجودها و ينتهي آلان للقول “الشيء يدرك و لا يحس به”.
ـ و على هذا الأساس يميز أصحاب المذهب العقلي بين الإحساس و الإدراك و يعتبرون المعرفة أساسها الإدراك العقلي.
مناقشة:

ـ لكن بعض الفلاسفة و الدراسات في علم النفس تشير إلى أنه من الصعوبة من الناحية الواقعية الفصل بين وظيفة الإحساس و الإدراك لأن الحواس الجسر الذي بعبره العقل أثناء إدراكه للموضوعات، و هذا يعني أن للإحساس وظيفة يؤديها في عملية الإدراك و بدونه يصبح الإدراك فعلا ذهنيا مستحيلا.
ـ كما أن رواد هذا المذهب فسروا الإدراك تفسيرا عقليا ،و المعرفة العقلية هي الأخرى نسبية و ليست حقيقة مطلقة بدليل تطور الرياضيات كمفاهيم عقلية عبر العصور التاريخية.
ـ المبالغة في إهمال دور الإحساس في عملية الإدراك بينما الواقع يؤكد أنه لا يوجد إدراك عقلي خالص أي أن الإحساس مرحلة أولية لحدوث الإدراك ، بدليل أن المعرفة عند الطفل تبدأ بما هو حسي ثم ترتقي إلى ما هو عقلي تجريدي.
ـ العقل لا يبدع من العدم.
خلاصة:”تركيب”

ـ لا نستطيع أن ننكر أن الإنسان بعقله يستطيع أن يتصور عالما مجردا لا علاقة له بالواقع غير أننا ننكر فكرة أن العقل يبدع من العدم ،لأن التجربة الحسية هي القاعدة الأولى التي ينطلق منها العقل في تكوين صوره التي يجردها ،لأن الإنسان يمر بمرحلة طفولة يكون فيها عقله غير قادر على تصور أفكار و صور إلا إذا رآها في الواقع و مرت بحواسه كمرحلة أولية ثم يرتقي إلى ما هو عقلي و هذا ما أكده الفيلسوف السويسري جون بياجي .الطفل يمر بمرحلة حسية قم مرحلة تجريدية(دراسة الفلسفة).
ـ إن القول بوجود إحساس خالص قول ميتافيزيقي لا مبرر له في الواقع و حالات المرضى و الأطفال التي تبين أن الإحساس و الإدراك عمليتان متميزتان لا يمكن تعميمها على الإنسان الناضج ،كل إحساس يتخلله إدراك مهما كان بسيطا فحتى لو لم ندرك مثلا المعنى و الكلمات الصينية،فإننا على الأقل ندرك أنها مكتوبة بلغة صينية لا نستطيع قراءتها.
ـ فإننا نحس و ندرك في نفس الوقت غير أن الإدراك درجات فكلما نزلنا في سلم الإدراك اقتربنا من الإحساس و كلما ابتعدنا و ارتفعنا كانت المعرفة أوضح.
ـ أما إذا نظرنا إليهما من حيث الطبيعة يكون الإحساس انفعالا و الإدراك معرفة و هذا التمييز في الطبيعة لا يعني الفصل بينهما.
خلاصة:

ـ إن المواقف التقليدية التي تفرق بين الإحساس و الإدراك أدت لظهور وجهات نظر جديدة ننظر لهما على أن بينهما علاقة مباشرة و من ثمة وجب رفض التمييز بينهما لأنهما وجهان لظاهرة واحدة ، ومحاولة التفرقة بينهما في المعرفة لا جدوي منها لأنهما متكاملتان فحواسنا تنفعل لمداركنا و مداركنا تتفاعل مع المعطيات الحسية و هذه ميزات المعرفة الإدراكية الإنسانية
قال التهانوي “الإحساس قسم من الإدراك” و قال ريد”الإدراك هو الإحساس مصحوب بالانتباه” و هذا ما يؤكده علم النفس الحديث “الجشتالتية و الظواهرية.
طبيعة العلاقة بين الإحساس و الإدراك :
ـ تمهيد:
ـ إن المواقف التقليدية التي تفرق بين الإحساس و الإدراك أدت لظهور نظرة جديدة تجعل بين الإحساس و الإدراك تكامل في إدراك العالم الخارجي،و ه\ا ما دافع عنه علم النفس الحديث مجسدا في كل من المدرسة الجشتالتية والظواهرية .
ـ فكيف نظرت كل منهما لطبيعة العلاقة بين الإحساس و الإدراك؟

المدرسة الجشطالتية:

ـ و هي مدرسة ترفض التمييز بين الإحساس و الإدراك،فإحساسنا بالأشياء يتزامن مع إدراكنا لها مما يثبت العلاقة الاتصالية بينهما.
ـ و يتبنى هذه النظرية بعض الفلاسفة الألمان اللذين يرون بأن عملية الإدراك تتوقف على بنية الموضوعات المدركة،أي أن الإدراك مصدره القوانين الخارجية أي رفضهم لان يكون الإدراك مجموعة إحساسات منظمة بواسطة العقل و هذا ما تدل عليه كلمة “جشتالت”التي تعني”الصيغة ،أو
الشكل”و من هنا لا يمكن فهم الأجزاء أو إعطائها معاني و صفات إلا من خلال ربطها بالكل “الصيغة”أي أن الإنسان يدرك الكل قبل إدراكه للجزء “العناصر الجزئية”.
ـ فالأنغام الموسيقية مثلا لا تكون لها قيمة إلا في تواصلها،و الأمطار عندما ننظر إليها و هي تسقط لا تجمع بذهننا الحركات الجزئية للقطرات بل الحركة الكلية لها.
ـ و الإدراك عندهم إدراك لمجموعة من العناصر المنظمة تنظيما موضوعيا لأن العالم الذي ندركه ليس عالما من الفوضى بل عالما منظما بفعل قوانين موضوعية و تسمى عند هذه المدرسة “”بقوانين تنظيم المجال الإدراكي”” و هي التي تجعل الشخص يدرك الموضوع كصيغة أو كشكل و هذه القوانين هي قانون التقارب و التجاور و قانون التشابه و الشكل و الأرضية و البروز والاستمرار.
ـ من هنا يكون الإدراك ناتج عن انتظام الأشياء في المجال الإدراكي و عليه فالإدراك يعود إلى عوامل موضوعية .
مناقشة:

ـ لكن مدرسة الجشتالت و بالرغم ما قدمته من تطوير و صياغة و تنسيق لمعارفنا و عدم التمييز بين الإحساس و الإدراك في المعرفة، إلا أنها مالت إلى التركيز على الشروط الخارجية و العوامل الموضوعية لعملية الإدراك،و قللت من أهمية الشروط الذاتية من تجارب للفرد و الظروف الراهنة و أعطت الأولوية للمجال الموضوعي رغم أن الذهن ليس إطارا سلبيا يستقبل فقط بل فعال و مؤثر في المدركات .
ـ و لو كانت الشروط الخارجية لوحدها هي مصدر الإدراك لتساوى الإدراك عند الجميع.
المدرسة الظواهرية:

ـ يذهب الظواهريون وعلى رأسهم “هوسرل” إلى رفض التمييز بين الإحساس و الإدراك لان الإدراك عندهم تأويلا للإحساس بل هو إمتلاك المعنى الداخلي في المحسوسات قبل إصدار الحكم ،فالعالم الموضوعي ليس هو ما نفكر به بل هو ما نعيشه و نحياه و نقصده كتجربة مباشرة نعيشها و نشعر به.
ـ أي أنها ترى أن إدراكا لعالم الخارجي متولد مما يظهر، أي وليد التجربة اليومية التي يعيشها الإنسان و هذه التجربة وليدة الشعور الذي هو شعور بشيء ما ،أي الإدراك متولد من التأثير المتبادل بين الذات و الموضوع ، و عليه الشعور عندهم هو الذي ينظم عملية الإدراك ،و قد عبر على هذا الموقف مجموعة من الفلاسفة أمثال ميرلوبنتي ، هوسرل ، يقول هوسرل”أرى بلا انقطاع هذه الطاولة و سوف أخرج و أغير مكاني و يبقى عندي بلا انقطاع شعور بوجود الطاولة هي في ذاتها لم تتغير و أن إدراكي لها ما فتئ يتغير”و يقول ميرلوبنتي: “ن هنا يتضح الإرتباط بين .موضوع الإدراك و الذات المدركة، من حيث أنه لا إدراك إلا بموضوع و لا موضوع .ولا موضوع إلا بالقصد، و المعايشة التي تربطه به”
ـ فإدراكنا للعالم الخارجي متغير حسب شعورنا في حين أن الموضوعات في العالم الخارجي ثابتة و منه إدراك العالم الخارجي يتم عن طريق الذات العارفة لأي بفعل عوامل ذاتية.

مناقشة:

ـ
ـ لكن ما تذهب إليه الظواهرية في القول بالقصد و المعايشة يؤدي إلى العجز عن الحكم على المدركات ،لاختلاف التجارب بين الذوات المدركة كما غلبت الشعور الذاتي على للإدراك على العالم الخارجي و عوامله الموضوعية .
. خاتمة (حل المشكلة).:

ـ و عليه نستنتج أن مناقشة طبيعة العلاقة بين الإحساس و الإدراك و محاولة التفرقة بينهما عملية لا جدوى منها لأن عمليتي الإحساس و الإدراك عمليا متكاملتان و من الصعب الوقوف على حدود فعالية و نشاط كل منهما.
فحواسنا تنفعل لمداركنا و تشكل لها معينا من المعطيات و المعلومات و في نفس الوقت تتفاعل مداركنا معها،و أثناء و بعد الاتصال بالعالم الخارجي و هذا ما تنفرد به المعرفة الإدراكية الإنسانية على غيرها من الكائنات الحية من المعطيات و المعلومات و في نفس الوقت تتفاعل مداركنا معها،و أثناء و بعد الاتصال بالعالم الخارجي و هذا ما تنفرد به المعرفة الإدراكية الإنسانية على غيرها من الكائنات الحية…

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *