مهم جدا: لا بد من ضبط بعض المفاهيم التي ترد بكثرة في مقالة الحرية والمسؤولية , ولذلك ستجد تلك الكلمات مكتوبة هنا بخط مختلف وبلون مميز, فاذا اردت ايها القارئ الكريم ان تبحث عن مفهومها المعجمي فما عليك الا الضغط على تلك الكلمة وستوجهك الى مصادر موثوقة تجد فيها كل تعاريف الفلاسفة واللغويين. قراءة مفيدة ان شاء الله, لنبدا على بركة الله.
مقالة الحرية والمسؤولية ( جدلية ) .
سؤال : هل الانسان حر حرية مطلقة ؟
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
المسؤولية ميزة خاصة ترفع من مقام الانسان بحكم طبيعته العاقلة ، وهي لا تكون مشروعة الا باقترانها بالحرية كشرط ضروري، فلما كان الامر كذلك؛ وكانت الحرية هي القدرة على الاختيار بين ممكنين و التخلص من كل اكراه او قيد ؛ عمل المفكرون والفلاسفة على تبين حقيقتها وكنهها، واختلفوا في مدى سعة افاق الحرية الانسانية، فراى فريق بانها مطلقة ، بينما عارضهم فريق اخر وراى عكس ذلك، وهذا الخلاف هو ما طرح مشكلة جوهرية مفادها :
هل الانسان حر حرية مطلقة ؟
يرى عدة فلاسفة ومفكرين ان حرية الانسان مطلقة ، وانها غير محددة بشروط مسبقة، فهو يختار الفعل ويقدم عليه دون اي قيد ، ومن ابرز من يؤيد هذا الطرح نجد المعتزلة، ديكارت وكانط.
وقد دعم هؤلاء موقفهم بعدة حجج وادلة، اولها ان الانسان يحس صدور الفعل من نفسه ، وهو يعي اختياره الاقدام على الفعل او تركه ، و لا يجب باي حال ان يربط افعاله واختياراته بقوى خارجة عن ذاته ويدعي انها متحكمة فيه، اذ يؤكد المعتزلة على هذا بقولهم ان الانسان حر ويعي انه حر ، فاذا اراد الحركة تحرك واذا اراد السكون سكن .
ثم ان حرية الانسان تؤكد عدل الله ، فلو كنا غير احرار وحاسبنا الله على افعالنا التي لا نختارها لكان في ذلك ظلم للعباد . اضافة الى هذا؛ يذهب كانط الى ابعد من ذلك، فيعتبر ارادة الانسان حرة الى ابعد حد ولا تخضع لاي اكراه او قيد، وهي تنزع حسبه الى الخير دائما، واذا نزع صاحبها الى الشر فذلك لانه اختار بنفسه ولم يكره على شيء، ومن هذا المنطلق يؤسس كانط لاخلاق الواجب ويقول ” اذا كان يجب عليك فانت تستطيع ” ، فاذا غابت الحرية فكيف سيستطيع الانسان الاختيار .
كما يؤكد برغسون على حرية الانسان من خلال شعور الفرد بها داخليا، فيعي افعاله ويعي اختياره لها ويعي قصده اليها ، وبالتالي فالحرية معطى شعوري مباشر ونتعرف عليها وندرك وجودها حدسيا . واضافة الى هذا، يعتبر ديكارت ان ارادة الانسان تتجسد في الفعل الحر الذي يفلت من كل قيد او اكراه او تاثير خارجي، ولهذا يقول ” الحرية تقتضي الموازنة بين هذا الفعل وذاك وتفضيل احدهما على الاخر بناء على مبررات ذاتية ” . واما سارتر فيعتبر الانسان مشروعا غير كامل يسبق وجوده ماهيته، وهو حر ليصنع نفسه بصنع قراراته واختياراته، فالانسان يختار ما يريد ان يكونه ، وكل شيء يقوم به مبني على الاختيار، فحتى ترك الفعل او عدم القيام به هو اختيار ، وهذا دليل اخر على حريتنا .
ان ما ذكره اصحاب هذا الراي من ادلة وحجج يبرر حقا القول بحرية الانسان، و قد وفقوا في ذلك الى حد ما، فنحن لا ننكر شعورنا بصدور الافعال منا ولا ننكر عدل الله ، ولكن هذا لا يعني ان نبالغ ونقول ان الانسان حر حرية مطلقة ، فالواقع يثبت غير ذلك، فاذا اراد الانسان مثلا ان يطير او اختار ان لا ياكل فهل سيستطيع ذلك فعلا كيفما اراد ؟
على النقيض مما سبق، يعتبر بعض الفلاسفة والمفكرين ، بان الحرية المطلقة ضرب من الوهم، بل ويصرون على ان الانسان مقيد بحتميات وقوانين صارمة تخضعه لشروطها في كل حال .
ومن بين ادلتهم على ذلك، وجود حتميات طبيعية واجتماعية ونفسية تؤثر على قرارات الانسان واختياراته ، اولها الحتمية الفيزيائية، فالانسان بحكم انه جزء من الطبيعة فهو اذن يخضع لنفس قوانينها ولا يخرج عنها، كقانون الجاذبية مثلا، اذ لو اختار الانسان ان يتخلص من تاثير الجاذبية عليه فلن يستطيع .
اضافة الى الحتمية البيولوجية التي هي اكثر الحتميات تاثيرا على الانسان، فنحن لا نختار اشكالنا ولا لون بشرتنا ، ولا نختار بنيتنا المرفولوجية ، واكثر من هذا ليست لنا الحرية في التصرف في العمليات الحيوية التي تجري في اجسامنا ، وابلغ مثال عن هذا يتجسد في حقيقة علمية تقول انه لا احد يستطيع ان يخنق نفسه بكتم انفاسه ، ولا يستطيع ان يتحكم في افرازاته وهرموناته بل هي التي تتحكم فيه ، وقد اثبتت هذا دراسات لومبروزو التب قسم بها طبائع الناس وصنف المجرمين بحسب بنياتهم المورفولوجية و بحسب غلبة هرموناتهم عليهم .
ويضاف الى هذا الحتمية الاجتماعية وهي الابرز ، اذ ان الفرد ابن بيئته ومراة مجتمعه العاكسة، ولا يخرج عن اطار ما يرسمه له المجتمع من قواعد واخلاق وتوجيهات ، والتي يكتسبها منه عن طريق التربية والتعليم ، بل حتى انه اذا خرقها اصبح ينظر اليه على انه منحرف وغير سوي . ناهيك عن الحتمية النفسية التي يقول بها علم النفس الحديث بزعامة فرويد ، اذ ان اللاشعور وعن طريق الكبت ؛ له تاثير قوي لدرجة التحكم في افعال الانسان وقراراته دون وعي منه ودون ارادة حرة . و بعيدا عن الحتميات الطبيعية ، ترى الجبرية ان افعال الانسان محكومة بالقضاء والقدر ، فهو لن يخرج عما كتب عليه وما قدره له الخالق عز وجل .
طبيعي ان يخضع الانسان لقوانين وسنن كونية ، وامر مقبول تماما ان تتحكم فيه بعض العوامل الفيزيولوجية من غدد وهرمونات ، و لكن هذا لا يعني انه عبد لها او انها تصنع مصيره ، فقوانين الكون ليست حتميات قاهرة للانسان بقدر ما هي اسباب تحفظ النظام الكوني وتحميه من العشوائية المدمرة ، واما قول الجبرية فهو مردود عليهم تماما ، اذ ان القضاء والقدر هو علم الله المسبق بما سيفعله الانسان وليست الزاما له بفعله .
ان للانسان افعالا يدرك حريته فيها وقدرته على الاختيار ، وله احوال يدرك انها ملزمة له و جزء من طبيعته ، و الراي الثاني لا يناقض الراي الاول وانما يمكن التوفيق بينهما دون الغاء احدهما ، وهذا ما حققته نظرية التحرر التي تقول بان الانسان يسير في طريق التحرر تاريخيا من خلال استخدام العلم و توسيع افاق المعرفة ، فهو حينما يعرف الحتميات يسعى الى تذليلها واستغلالها في صالحه ، وهو ما يزيد من نطاق حريته ، ومثال ذلك انه رغم كونه غير قادر على الطيران ، الا انه اكتشف قوانين ساعدته على اختراع الات ليطير بها .
اخيرا ؛ وكاستنتاج مبني على ضوء ما جاء في معرض مقالتنا، يمكن القول ان الخلاف القديم الدائر حول حدود حرية الانسان هو خلاف نابع من طرح ميتافيزيقي لقضية المسؤولية ، وتجاوزه الطرح الحديث من خلال دراسة الموضوع من زاوية عملية ، تبتعد كل البعد عن الاراء المتطرفة ، فقدمت نظرية جديدة توفيقية تساهم فعلا في استغلال الموجود من الحريات لتحقيق الممكن منها ، وذلك باعتبار الحرية عملية تحرر دائمة ومستمرة تعتمد على العلم والمعرفة .
كانت هذه مقالة الحرية بطريقة الجدل, وهي مقالة سهلة جدا يمكن استيعابها بسهولة تامة.
ارفقت لكم ايضا مخطط مقالة الحرية استقصاء في الاسفل, وهذا لكي تفهم بوضوح الفرق بين الطريقة الجدلية و طريقة الاستقصاء بالوضع.
مقالات تهمك, شاهدها من هنا:
مقالة الحرية والمسؤولية : استقصاء
كانت هذه مقالة الحرية والمسؤولية استقصاء على شكل مخطط, ويمكنك التوسع فيها من خلال توظيف المعلومات والامثلة من مقالة الحرية والمسؤولية بطريقة الجدل التي قبلها.
✓✓✓✓✓✓ Philobest الاستاذ : خروبي بلقاسم ✓✓✓✓✓✓